بل لو أكرهه على كله لم تكن فيه حرمة. وكيف يلتئم التحريم مع قوله: إن التنفس خارج الإناء من مكارم الأخلاق؟ فتأمل.
وقال القُرطبي: معنى النهي عن التنفس في الإناء لئلا يتقذر به من بزاق أو رائحة كريهة تتعلق بالماء، وعلى هذا إذا لم يتنفس يجوز له الشرب بنفس واحد، وقيل: يُمنع مطلقًا, لأنه شرب الشيطان. قال: وقول أنس: "كان يتنفس في الشرب ثلاثًا" قد جعله بعضهم معارضًا للنهي، وحُمل على بيان الجواز، ومنهم من أومأ إلى أنه من خصائصه, لأنه كان لا يُتقذر منه شيء.
وأخرج الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن عن أبي هريرة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه يسمي الله تعالى، فإذا أخره حمد الله تعالى، يفعل ذلك ثلاثًا". وأصله في ابن ماجه، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند البزّار والطبراني.
وأخرج الترمذي عن ابن عباس "سمّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم" وهذا يحتمل أن يكون شاهدًا لحديث أبي هريرة المذكور، ويحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط.
وأخرج الترمذي وصححه والحاكم عن أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النفخ في الشراب. فقال رجل: القذاة أراها في الإناء. قال:"أهرقها". قال: فإني لا أروَى من نفس واحد. قال: فأَبِنِ القدح إذا عنَّ فيك".
ولابن ماجه عن أبي هريرة رفعه: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإِناء، فإذا أراد أن يعودَ فليُنَحِّ الإِناء ثم ليعُد إن كان يريد".
قال الأثرم: واختلاف الرواية في هذا قال على الجواز، وعلى اختيار الثلاث، والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء أن لا يجعل نفسه داخل الإِناء، وليس المراد أن يتنفس خارجه طلب الراحة.
وقوله: "وإذا أتى الخلاء" أي: فبال كما فسرته الرواية الآتية.