وقد اختلف العلماء في ذلك، فاجاز مالك جواز لبس الثوب المزَعْفَر للحلال، ولم يجزْه في البدن، وقال: إنما وقع النهي عنه للمحرم خاصة. ونَقَل ذلك عن علماء المدينة، واحتج بما أخرجه أبو داود عن أبي موسى رفعة:"لا يقبلُ الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق" فإن مفهومه أن ما عدا الجسد لا يتناوله الوعيد.
وأخرج الحاكم من حديث عبد اللة بن جعفر:"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثوبان مصبوغان بالزَّعفران"، وأخرج الطبراني عن أم سَلَمة:"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبغ إزاره ورداءه بزعفران"، والأول في سنده عبد الله بن مُصعب الزُّبيري وهو ضعيف، والثاني فيه راوٍ مجهول.
وتمسكوا في منعه في الجسد بما أخرجه أبو داود والتِّرمذي في "الشمائل" والنسائي في "الكبرى" عن سَلْم العَلَويّ، عن أنس: دخل رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه أثر صُفرة، وكان قلّما يواجه أحدًا بشيء يكرهه، فلما قام، قال:"لو أمرتُم هذا أن يترك هذه الصفرة" لكن سَلْم فيه لين. وأخرج أبو داود عن عمّار رفعه، قال:"لا تحضُر الملائكة جنازة كافر ولا متضمِّخٍ بالزعفران"، وأخرج أيضًا عنه قال: قدمت على أهلي ليلًا وقد تشقَّقت يداي، فخلّقوني بزعفران، فسلمت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يرحِّب بي، وقال:"اذهَبْ فاغسِل عنك هذا".
وهذه الأحاديث معارضة لحديث ابن عمر، فإما أن تكون ناسخة له، وإما أن تكون مقدمة عليه لأنها نهي، والعمل بالنهي مقدم على العمل بالطلب.
واستدل بعضهم على جواز التَّزَعْفُر للعروس دون غيره بحديث عبد الرحمن بن عوف، وخُصَّ به عموم النهي عن التَّزَعْفُر للرجال، ويأتي قريبًا الجواب عنه.
ومنع أبو حنيفة والشافعي ومن تبعهما ذلك في البدن والثوب للمحرم وغير المحرم، وتمسكوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وهي صحيحة، وفيها ما هو