ورد في إناء الماء, لأن أواني الطعام مصانة في العادة، بخلاف أواني الماء، فإنها مبتذلة غالبًا، فإن قيل: قد ورد الأمر بالغسل مطلقًا، قلنا: القاعدة الأصولية أنه إذا ورد مطلق ومقيد في واقعة واحدة، فيُقيد المطلق.
وقوله:"فليغسله" المراد غسله من غير توقف، على أن يكون المالك هو الغاسل له، وظاهر الأمر يقتضي الفَوْر، لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء، ومشهور مذهب مالك أنه لا يُطلب غسله إلا عند قصد استعمال الإناء، وقيل: يُطلب الغسل بفور الولوغ.
وقوله:"سبعًا" أي: سبع مرار، فهو مفعول مطلق لغسل، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير: غسلًا سبعًا. أي: ذا مرات سبع.
والتحديد بالسبع في الحديث دال دِلالة قوية جدًّا على أن الأمر بالغسل في الحديث للتعبد، ومعنى التعبد هو الحكم الذي لا تظهر له حكمة بالنسبة إلينا، مع أنا نجزم أنه لابد من حكمه، وذلك لأنا استقرَيْنا عادة الله، فوجدناه جالبًا للمصالح دارئًا للمفاسد، ووجه الدلالة بالتحديد هو أن الغسل لو كان للنجاسة لما كان لتحديد فائدة؛ لأن المطلوب في النجاسة الإزالة للعين والحكم، فلا فائدة في التقييد بالعدد، وأيضًا الكلب لا يكون أشدُّ نجاسة من الخنزير، وقد نصت الشافعية على أن الخِنزير أسوأ حالًا في النجاسة من الكلب، وإذا كان أسوأ حالًا من الكلب، ولم يُؤمر بذلك فيما شَرب منه، عُلم أن الأمر في الكلب للتعبد، وأيضًا العَذِرَة نجاستها أشد من نجاسة الكلب، ولم تقيد بالسبع، فيعلم أن التقييد بالسبع في ولوغ الكلب تعبد.
وأجاب في "الفتح" بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس مع وجود النص، وهو فاسد الاعتبار.
وأجيب عن الأول بأنها إذا كانت أشد منه نجاسة لا يحصل التغليظ في الحكم في جانبه إلا لأمر غير معقول لا للنجاسة، وهذا هو التعبد بعينه.
وأجيب عن الثاني بأن النص لم يرد يكون الغسل للنجاسة، وإنما ورد الأمر