وأيضًا الشافعية القائلون بظاهر هذا الحديث من وجوب سبع غسلات، يلزمهم القول بإيجاب ثمان غسلات عملًا بظاهر حديث عبد الله بن مُغَفَّل الذي أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال ابن مَنْدة: إسناده مُجمع على صحته. ولفظه:"فاغسِلوه سبع مرات وعفِّروه الثامنة في التراب"، وفي رواية أحمد:"بالتراب"، فالعمل به أولى مما رواه أبو هريرة؛ لأنه زاد عليه:"وعفِّروه الثامنة بالتراب"، والزائد أولى من الناقص، فكان ينبغي لهم أن يقولوا: لا يطهر إلاَّ بأن يُغسل ثمان مرات الثامنة بالتراب عملًا بالحديثين جميعًا، فإن تركوا حديث ابن مُغَفَّل فقد لزمهم ما لزم المالكية في عدم القول بوجوب السبع، وقد اعتذر بعض الشافعية عن ترك العمل به، بأن الإجماع على خلافه، وفيه نظر، لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري، وبه قال أحمد في رواية حَرْب الكِرْماني عنه. ونُقِل عن الشافعي أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته. ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته. وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هُريرة على حديث ابن مُغَفَّل، والترجيح لا يُصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مُغَفَّل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة، ولو سلكوا الترجيح في هذا الباب لم يقولوا بالترتيب أصلًا, لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك قالوا به أخذًا بزيادة الثقة.
وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز، فقال: لما كان التراب جنسًا غير الماء، جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودًا باثنتين. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله:"وعفِّروه الثامنة بالتراب" ظاهر في كونها غسلة مستقلة.
قال في "الفتح": لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازًا، وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى.