قلت: لم أفهم معنى لما قاله، فإن التعفير بالتراب لا يمكن إلاّ مع الماء سواء كان في الأولى أو الأخيرة، لقوله في الحديث:"أولاهُن أو إحداهن" أي: الغسلات، وقد حمل المالكية في مشهور مذهبهم الأمر بالغسل في الحديث والإراقة فيه على الندب في الماء خاصة، ولم يأخذوا بالتتريب أصلًا, لأنه لم يقع في رواية مالك، ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هُريرة إلا عن ابن سيرين، على أن بعض أصحابه لم يذكره عنه.
وقد اختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسلة التتريب، ففي رواية مسلم والد الدراقطني "أولاهن"، ولأبي داوود:"السابعة"، وللشافعي:"أولاهنَّ أو إحداهن" وللبزار: "إحداهن" فلهذا الاضطراب لم تأخذ المالكية بالتتريب.
وقال في "الفتح": طريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال: إحداهن مبهمة، وأولاهن، والسابعة معينة. وأو إن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير، فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يُحمل على إحداهما, لأن فيه زيادة على الرواية المعينة، وهو الذي نص عليه الشافعي في "الأم"، والبُوَيْطي، وصرح به المَرْعَشي، وغيره من الأصحاب.
قلت: الظاهر أن المطلق هو إحداهما، المقيد هو المعينة لزيادة الإبهام في إحداهما على المعينة، فإحداهما بمنزلة رجل، والسابعة بمنزلة رجل عالم.
وإن كانت "أو" شكًّا من الراوي، فرواية من عيَّن ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك، فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة، ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية، من حيث المعنى أيضًا, لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى. وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأولى أولى.
وأورد بعض الشافعية على المالكية في قولهم: إن الأمر تعبد. ما رواه مسلم عن أبي هريرة:"طهور إناء أحدكم ... " قائلًا: إن الطهارة تستعمل إما عن