وما احتج به من كون الأولى طلبية، والأخيرة خبرية، لا يَسوغ عطفها عليها غير صحيح، فإن سيبويه ومن تبعه من المحققين يجيزون ذلك، ولهم شواهد كثيرة.
وما ذكره من كون الإجماع على أن من أكل متروك التسمية ليس بفاسق غير صحيح، وكيف يصحُّ مع استدلال العلماء المتقدمين بالآية على أن ترك التسمية على الذبيحة عمدًا فسق.
ودلَّ قوله:"إذا أرسلت كلبك المعلَّم" على إباحة الاصطياد بالكلاب المعلمة، واستثنى أحمد وإسحاق الكلب الأسود، وقالا: لا يحل الصيد به لأنه شيطان. ونُقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك.
وفيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المذكورة من التعليم، والتسمية، وعدم أكله منه، وعدم مشاركة كلب آخر له في الصيد -ويأتي ما في هذين الشرطين الأخيرين- ولو لم يُذبح، لقوله: إن أخذ الكلب ذكاة، فلو قتل الصيد بظفره أو نابه حلَّ، وكذا بثقله على أحد القولين للشافعي، وهو المشهور عندهم، والمشهور عند المالكية أن الصيد إذا مات من صدم الكلب أو غير ذلك من غير جرح لا يؤكل، ولو لم يقتله الكلب بأن تركه وبه رمق، ولم يبقى زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه، فمات، حل لعموم قوله:"فإن أخْذَ الكلب ذكاةٌ"، وهذا في المعلم، فلو وجده حيًّا حياة مستقرة، وأدرك ذكاته، لم يحلَّ إلا بالتذكية، فلو لم يذبحه مع الامكان حرُم، سواء كان عدم الذَّبح اختيارًا أو اضطرارًا كعدم حضور آلة الذبح. فإن كان الكلب غير معلم اشْتُرط إدراك تذكيته، فلو أدركه ميتًا لم يحل.
ودل الحديث على أنه لا يَحِلُّ أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده، ومحله إذا استرسل الآخر بنفسه، أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حلَّ، ثم ينظر، فإن أرسلاهما معًا فهو لهما،