وعدم أكله منه، وعدم مشاركة كلب آخر له في الصيد -ويأتي ما في هذين الشرطين الأخيرين- ولو لم يُذبح، لقوله: إن أخذ الكلب ذكاة، فلو قتل الصيد بظفره أو نابه حلَّ، وكذا بثقله على أحد القولين للشافعي، وهو المشهور عندهم، والمشهور عند المالكية أن الصيد إذا مات من صدم الكلب أو غير ذلك من غير جرح لا يؤكل، ولو لم يقتله الكلب بأن تركه وبه رمق، ولم يبقى زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه، فمات، حل لعموم قوله:"فإن أخْذَ الكلب ذكاةٌ"، وهذا في المعلم، فلو وجده حيًّا حياة مستقرة، وأدرك ذكاته، لم يحلَّ إلا بالتذكية، فلو لم يذبحه مع الامكان حرُم، سواء كان عدم الذَّبح اختيارًا أو اضطرارًا كعدم حضور آلة الذبح. فإن كان الكلب غير معلم اشْتُرط إدراك تذكيته، فلو أدركه ميتًا لم يحل.
ودل الحديث على أنه لا يَحِلُّ أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده، ومحله إذا استرسل الآخر بنفسه، أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل، ثم ينظر، فإن أرسلاهما معًا فهو لهما، وإلا فللأول، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله:"فإنما سمَّيْت على كلبك، ولم تسمِّ على غيره"، فإنه يُفهم منه أن المرسل لو سَمّى على الكلب لحلَّ، وفي رواية الشعبي:"وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل"، فيؤخذ منه أنه لو وجده حيًّا وفيه حياة مستقرة، فذكّاه، حلَّ, لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب.
وقوله:"وإذا أكل فلا تأكل" فيه تحريم أكل الصيد الذي أكل منه الكلب، ولو كان الكلب معلمًا، وعُلل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه، وهذا قول الجمهور، وهو الراجح من قول الشافعي، وقال في القديم: وهو قول مالك.
ونُقل عن بعض الصحابة: يحلُّ، واحتجوا بما أخرجه أبو داود بسند لا بأس به عن أبي ثعلبة، قال: يا رسول الله: إن لي كلابًا مُكلَّبة فاقتني في صيدها، قال:"كل مما أمسكْنَ عليك". قال: وإن أكل منه؟ قال:"وإن أكل منه".