وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقًا، منها -للقائلين- بالتحريم: حملُ حديث أبي ثعلبة على ما إذا قتله وخلاّه، ثم عاد فأكل منه.
ومنها: الترجيح، فرواية عدي في "الصحيحين" متفق على صحتها، ورواية أبي ثعلبة في غيرها مختلف في تضعيفها، وأيضًا رواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم، وهو خوف الإمساك على نفسه، متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المُبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضًا، وهو قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٤]، فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يؤكل. وقالوا: معنى {أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} صِدْنا لكم، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسكه لنفسه لا لصاحبه، فلا يعدل عن ذلك.
وفي رواية لابن أبي شيبة:"إن شرب من دمه فلا تأكل، فإنه لم يَعْلَم ما علَّمته" وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرعَ في أكله، دل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط. وعند أحمد عن ابن عباس: إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل، فكل، فإنما أمسك على صاحبه. وأخرجه البزار عن ابن عباس من وجه آخر. ولو كان مجرد الإمساك كافيًا لما احتيج إلى زيادة عليكم.
ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث علي على كراهة التنزيه وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز، قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عديًّا كان موسرًا، فاختير له الحمل على الأولى، بخلاف أبي ثعلبة، فإنه كان بعكسه. ولا يَخْفى منافاة هذا للتصريح بالتعليل في الحديث بخوف الإمساك على نفسه.
وقال ابن التين عن بعض أصحابه: هو عام، فيحمل على الذي أدركه ميتًا من شدة العدو أو من الصدمة، فأكل منه, لأنه صار على صفة لا يتعلق بها الإِرسال ولا الإمساك على صاحبه، قال: ويُحتمل أن يكون معنى قوله: "وإن أكل فلا تأكل" أي: لا يوجد منه غير مجرد الأكل، دون إرسال الصائد له،