للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة" وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها، ففي كتاب محمد بن نَصْر بإسناد صحيح عن السّائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصلِّ غيرها. ويأتي في المغازي عن عبد الله بن ثعلبة أن سعدًا أوتر بركعة. ويأتي في المناقب أن معاوية أوتر بواحدة، وأن ابن عباس استَصْوَبه، فقول ابن التين: إن الفقهاء لم يأخذوا بعمل معاوية في ذلك. كانه أراد به فقهاءهم.

وقد قال أبو حنيفة بوجوب الوتر مستدلاًّ على وجوبه بما أخرجه أحمد عن معاذ مرفوعًا: "زادني ربّي صلاة، وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر" وفي إسناده ضعف، وكذا في حديث خارجة بن حُذافة في "السنن"، وليس صريحًا في الوجوب. وأما حديث بُريدة رفعه: "الوتر حقُ، فمن لم يُوتر فليس منا" وأعاد ذلك ثلاثًا، ففي سنده أبو المُنيب وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتجَّ به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الآحاد.

وقد بالغ الشيخ أبو حامد، فادّعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر، ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن أبي شَيْبة أخرج عن سعيد بن المسيِّب، وأبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود، والضّحاك ما يدل على وجوبه عندهم. وعنده عن مجاهد: الوتر واجب. ولم يثبت، ونقله ابن العربي عن أصبغ من المالكية، ووافقه سُحنون، وكأنه أخذه من قول مالك: من تركه أُدِّب وكان جرحة في شهادته.

واستدل الجمهور على عدم وجوب الوتر بما في حديث ابن عمر عند المصنف: "يصلي في السفر على راحلة حيث توجهت به، يومىء إيماءً, صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته" فقالوا: إن صلاته على الراحلة دليل على أن الوتر ليس بفرض، وعلى أنه ليس من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوب الوتر عليه، لكونه أوقعه على الراحلة.

وأما قول بعضهم: إنه كان من خصائصه أيضًا أن يوقعه على الراحلة مع

<<  <  ج: ص:  >  >>