الكبائر، أي: ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل والزِّنى، وإن كان كبيرًا في الجملة.
وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة؛ لأن تعاطي ذلك يدُلُّ على الدناءة والحقارة، وهو كبير في الذنب.
وقيل: ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين، وهو عند الله كبير، كقوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور: ١٥].
وقيل: ليس بكبير في مشقة الاحتراز، أي: كان لا يَشُقُّ عليهما الاحتراز من ذلك، وهذا جزم به البغوي، ورجحه ابن دقيق العيد وغيره.
وقيل: ليس بكبير بمجرده، وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه، ويرشد إلى ذلك السياق، فإنه وصفهما بما يدلُّ على تجدد ذلك منهما، واستمرارهما عليه للإتيان بصيغة المضارَعَة بعد لفظ كان.
وقوله:"لا يستَتِرُ" كذا في أكثر الروايات بمثنّاتين من فوق، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة. وفي رواية ابن عساكر:"يستبْرِئ". بموحدة ساكنة من الاستبراء. ولمسلم وأبي داود عن الأعمش:"يستَنِزِه" بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التَّنَزُّه وهو الإبعاد. فعلى رواية الأكثر، معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة، يعني لا يتحفظ منه، فتوافق رواية:"لا يستنزه" إنها من التنزُّه وهو الإبعاد كما مرَّ. وعند أبي نُعيم في "المستخرج" عن الأعمش: "كان لا يتوقّى" وهي مفسِّرة للمراد.
وحمله بعضهم على ظاهره، فقال: معناه لا يستر عورته، وهذا مردود، لأنه -كما قال ابن دقيق العيد- لو حُمل الاستتار على حقيقتة، للزم استقلال كشف العورة بالسَّببية، واطِّراح اعتبار البول، فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا، وسياق الحديث يدلُ على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصيته، كما يشير إليه ما صححه ابن خُزيمة عن أبي هُريرة مرفوعًا:"أكثر عذاب القبر من البول" أي: بسبب ترك التحرُّز منه. ويؤيده أن لفظ "من" في هذا الحديث، لما أضيف إلى البول، اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب