وعن أبي بَكْرة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي بالناس، وكان ابن علي يَثِبُ على ظهره إذا سجد، ففعل ذلك غير مرة، قالوا له: إنك لتفعلُ بهذا شيئًا ما رأيناك تفعل بأحد؟ قال:"إن ابني هذا سيدٌ، وسيُصْلح به بين فئتين من المسلمين"، وفي رواية:"ولعل الله أن يُبقيه حتى يُصْلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وإنه رَيْحانتي من الدنيا".
ولا أسودَ ممن سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- سيدًا، وكان من المبادرين إلى نصر عثمان، والذّابين عنه، وكان رحمه الله تعالى حليمًا ورعًا فاضلًا دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الدنيا والملك رغبة فيما عند الله. وقال: والله ما أحببتُ منذ علمت ما ينفعني ويضرني أن أليَّ أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-على أن يُهراق في ذلك محجمة دم.
ولما قُتل أبوه عليٌّ بايعه أكثر من أربعين ألفًا، كلهم قد كانوا بايعوا عليًّا قبل موته على الموت، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيهم منه في أبيه، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خُراسان، ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه، فلما تراءى الجمعان وذلك بموضع يُقال له: مسكن، من أرض السواد بناحية الأنبار، علم أنه لن تُغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى، فكتب إلى معاوية يخبره أنه يُصَيِّر الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يَطْلُبَ أحدًا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحًا، إلا أنه قال: أما عشرة أنفس فلا أؤمِّنهم. فراجعه الحسن فيهم، فكتب إليه يقول: إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطِع لسانه ويده. فراجعه الحسن: إني لا أبايعك أبدًا وأنت تطلب قيسًا أو غيره بتبِعة قلَّت أو كثُرت. فبعث إليه معاوية حينئذ برَقٍّ أبيض، وقال: اكتب ما شئت فيه، وأنا ألتزمه. فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كلَّه معاوية. فقال له عمرو بن العاص: إنهم قد انْفَلَّ حَدُّهم، وانكسرت شوكتهم. فقال له معاوية: أما علمت أنه قد بايعه أربعون ألفًا على الموت، فوالله لا يُقتلون حتى يُقتل أعدادهم من أهل الشام، والله ما في العيش خير بعد ذلك. فكان كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأصلح به الله بين فئتين عظيمتين من المسلمين.