ورُوي عن عَمرو بن دينار أنه قال: كان معاوية يعلم أن الحسن أكره الناس للفتنة، فراسله وأصلح الذي بينهما، وأعطاه عهدًا: إن حَدَثَ به حَدَثٌ والحسن حيٌّ ليجعلن هذا الأمر إليه.
وعن عبد الله بن جعفر قال: قال الحسن: إني رأيت رأيًا أُحبُّ أن تتابعني عليه. قلت: ما هو؟ قال: رأيت أن أعمِد إلى المدينة، فأنزلَها، وأُخَلّيَ الأمر لمعاوية، فقد طالت الفتنة، وسُفكت الدماء، وقُطعت السُّبل. قال: فقلت له: جزاك الله خيرًا عن أُمة محمد. فبعث إلى حسين، فذكر له ذلك، فقال: أعيذُك بالله، فلم يزل به حتى رضي.
ورُوي عن ضَمْرة، عن ابن شَوْذَب قال: لما قُتل علي سار الحسن في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام، فالتَقَوْا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد له من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خيرٌ من النار.
وروُي عن الشعبي وغيره قال: بايع أهل العراق بعد علي الحسنَ بن علي، فسار إلى أهل الشام وفي مقدمته قَيْس بن عُبادة في اثني عشر ألفًا يسمَّوْن شرطة الجيش، فنزل قيس بمَسْكَن من الأنبار، ونزل الحسن المدائن، فنادى منادٍ في عسكر الحسن ألا إن قيسًا قد قُتل، فوقع الانتهاب في العسكر حتى انتهبوا فُسطاط الحسن، وطعنه رجل من بني أسد بخنجره، فدعا عمرو بن سلمة الأرجي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه، وبعث معاوية عبد الرحمن بن سَمُرة وعبد الله بن عامر، فأعطيا الحسن ما أراد، فجاءه معاوية من منبج إلى مَسْكَن، فدخلا الكوفة جميعًا، فنزل معاوية النخيلة، ونزل الحسن القصر، وأجرى عليه معاوية في كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
وقال هلال بن حبان؛ جمع الحسن رؤوس أهل العراق في هذا القصر قصر المدائن، فقال: إنكم بايعتموني على أن تُسالموا مَنْ سالمت، وتُحاربوا مَنْ حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.