وعن أبي الغِطْريف قال: كنّا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفًا بمَسْكن، مستميتين، تقطر أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمرطة، فلما جاء صلح الحسن بن علي كأنما كُسرت ظهورنا من الغيظ والحزن، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يُكنى أبا عامر سفيان بن أبي ليلي، فقال: السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين. فقال: لا تقل يا أبا عامر، فإني لم أُذِلَّ المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.
والصحيح أن تسليم الأمر منه لمعاوية كان عام إحدى وأربعين في النصف من جمادى الأولى، وكان هذا العام يُسمّى عام الجماعة، ووهم من قال: إنه عام أربعين.
ولما دخل معاوية الكوفة حين سَلَّم إليه الحسنُ الأمرَ، قال له عمرو بن العاص: مُرِ الحسن بن علي يخطب الناس، فكره معاوية ذلك، وقال: لا حاجة لنا بذلك. فقال عمرو: ولكني أريد ذلك ليبدو عليه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي، ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن يخطب، وقال له: قم يا حسن فكلِّم الناس فيما جرى بيننا، فقام الحسن، فتشهد وحمد الله وأثنى عليه، ثم. قال في بديهته: أما بعد أيها الناس: فإن الله هداكم بأوَّلنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دُول، وإن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: ١٠٩ - ١١١]، فلما قالها، قال معاوية: اجلس. فجلس، ثم قام معاوية فخطب الناس، ثم قال لعمرو: هذا من رأيك.
وروي عن الشعبي قال: لما جرى الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية، قال له معاوية: قم فاخطُب الناس واذكُر ما كنت فيه، فقام الحسن، فخطب، فقال: الحمد لله الذي هدى بنا أوَّلكم، وحقَنَ بنا دماء آخركم، ألا إن أكْيَسَ الكَيسِ التُّقى، وأعجَزَ العَجْز الفُجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية، إما أن يكون كان أحق به مني، وإما أن يكون حقي، فتركناه لله ولصلاح أُمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وحقن دمائهم، ثم التفت إلى معاوية، وقال: {وَإِنْ