علة النهي عن الصلاة في معاطن الإبل مع التصريح بطهارة بولها.
والقول بالطهارة قال به مالك، وأحمد، ومحمد بن الحسن الحنفي، والإصْطَخْري والرُّوياني الشافعيان، وهو قول الشعبي، والنَّخعي، وعطاء، والزّهري، والثوري، وابن سِيرين، والحكم، وابن خُزيمة، وابن المنذر.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور وأيو يوسف بنجاسة الأبوال كلها إلاَّ ما عُفي عنه.
واحتج ابن المنذر للطهارة بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكير، دليل على طهارتها.
قال في "الفتح": وهذا استدلال ضعيف؛ لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه، فضلًا عن طهارته.
قلت: هذا الجواب ساقط؛ لأن قول ابن المنذر: تَرْك أهل العلم. شامل للصحابة ومن بعدهم قبل تقرر الخلاف المذكور، فهو رد على المخالفين جاعلًا ترك النهي من الصحابة والتابعين كالاجماع على طهارته، فلا وجه حينئذ للخلاف، وأين الجواب عن قوله: إن الخصائص لا تثبت إلا بدليل؟
وحمل القائلون بالنجاسة من الشافعية الحديث على التداوي، قالوا: فليس فيه دليل على الإباحة في غير حال الضرورة. وحديث أم سلمة المروي عند أبي داود:"إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" محمول على حالة الاختيار، وأما حالة الاضطرار فلا حرمة، كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر:"أنها ليست بدواء، إنها داء" في جواب مَن سأله عن التداوي بها فيما رواه مسلم، فإن ذلك خاص بالخمر، ويلتحق به غيرها من المسكر، والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره، ولأن شربه يجُر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن