قلت: ما أجابوا به عن حديث أم سلمة من حمله على حالة الاختيار يردُّه الحديث نفسه؛ لأن الشفاء لا يكون إلا من المرض، والمرض هو محل الضرورة، والحديث نص في أن المرض لا يُعالج بشيء يحصُل له به الشفاء مما هو محرم، والفرق بينه وبين أكل الميتة للمضطر واضح جلي، فإن أكل الميتة محقِّق حصول النفع المطلوب منه، وهو إزالة الجوع، ولا كذلك الدواء بالمحرم. وقالوا: إن الإبل قد روى ابن المُنذر عن ابن عباس مرفوعًا أن في أبوالها شفاء للذَّرِبة بطونُهم، والذَّرَب فساد المعدة، قالوا: فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، والجواب عن هذا أن كون بول الإبل فيه شفاء للذَّرَب دالٌّ على طهارته، إذ لا يصِف -صلى الله عليه وسلم- شيئًا بأن فيه دواء وهو نجس.
قال في "الفتح": والتمسك للنجاسة بحديث أبي هريرة الذي صححه ابن خُزيمة وغيره مرفوعًا: "استنزهوا من البولِ، فإن عامة عذاب القبر منه" أولى، لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال، فيجب اجتنابها لهذا الوعيد.
قلت: غفل رحمه الله تعالى من أجل محبة الانتصار لمذهبه عن كون الحديث واردًا في قصة صاحب القبر، وقد مر في رواية الأعمش عند البخاري هذا اللفظ:"فكان لا يستتر من البول"، أعني اللفظ الدال على العموم، لتعريفه باللام.
ومرَّ قول البخاري في تفسيره له: لم يذكر سوى بول الناس. يريد أنه لا يُراد به بول سائر الحيوان.
ومرّ الرد على الخطابي، حيث استدل به على ما استدل هو له بهذا الحديث من نجاسة جميع الأبوال، بأن التعريف أُريدَ به الخصوص، لقوله في الرواية الأخرى:"من بوله" بالإضافة، أو يقال: إن الالف واللام بدل من الضمير.
وأما القائلون من الحنفية بالنجاسة، فحملوا الحديث على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خصَّ هؤلاء بذلك؛ لأنه عرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، قالوا: لا يوجد