صحابي، والصواب الأول, لأنه مذهب الشافعي والجمهور، وقلنا: في الغالب, لأن بعض الصحابة قد يروي عن بعض التابعين، كرواية العبادلة عن كعب الأحبار، وإذا قلنا: إن الغالب رواية الصحابي عن الصحابي؛ فإنما سمي ما رواه الصحابي على الوجه المذكور مرسلًا بناء على القول: بأن المرسل ما سقط منه راوٍ فأكثر من أي موضع كان، وإن اعتبرت النادر، كان تسميته مرسلًا جارية على الاصطلاح المشهور، لأن رافِعَهُ حينئذ تابعي، ولما ذكر مرسل الصحابي وجب التعرض للمرسل، وتبيين حقيقته، فأقول:
المرسل بصيغة اسم المفعول، ويجمع على مراسيل، مأخوذ من الإرسال، وهو الإِطلاق كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}[مريم: ٨٣] فكأن المرسل أطلق الإِسناد، ولم يقيده بجميع رواته، وهو في اصطلاح الأصوليين قول غير الصحابي تابعيًا أو من بعده، قال - صلى الله عليه وسلم - كذا أو فعله، مُسْقِطًا الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما في اصطلاح المحدثين: هو ما رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا كان أو كناية على المشهور، وقيده ابن عُمر بما لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخرج من لقيه كافرًا فسمع منه، ثم أسلم بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، وحدث بما سمعه منه كالتَّنُوخِيّ، رسول هِرقل، فإنه، مع كونه تابعيًّا، محكوم لما سمعه بالاتصال لا بالإِرسال، وخرج مرسل الصحابي، وقد مر ما فيه، وقيل: المرسل ما رفعه التابعي الكبير، فما رفعه الصغير يسمى منقطعًا لا مرسلًا، والكبير هو ما كان أكثر رواياته عن الصحابة، والصغير أكثر رواياته عن التابعين، وقيل: ما سقط من سنده راوٍ واحد كان أو أكثر، من أوله أو آخره أو بينهما، فيشمل المنقطع والمُعْضَل، والمُعَلَّق، ولذا قال النووي: المرسل عند الفقهاء والأصوليين، والخطيب، وجماعة من المحدثين ما انقطع إسناده على أي وجه كان، ففيه ثلاثة أقوال؛ أضيقها الثاني، وأوسعها الثالث، والأول هو المشهور في استعمال أهل الحديث.