فيحمل العموم الوارد في هذا الحديث على الخصوص الوارد في الأول، لما هو متقرر من أن الماء إذا تغير أحد أوصافة بالنجاسة لم تبق له طهورية بالاجماع، كما مر عن البيهقي.
ومذهب الشافعي وأحمد التفريق بالقُلتين فما كان دونهما تنجس بملاقاة النجاسة، وإن لم يظهر فيه تغيير، لمفهوم حديث القلتين:"إذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث"، صححه ابن خُزيمة وغيره. وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد صحيح:"فإنه لا ينجس"، وهو المراد بقوله:"لم يحمل الخبث"، أي: يدفع النجس ولا يقبله، وهو مخصص لمنطوق حديث:"الماء لا ينجسه شيء".
قالوا: إنما لم يخرجه البخاري للاختلاف الواقع في إسناده، لكن رواته ثقات، وصححه جماعة.
قلت: بل قال ابن عبد البر في "التمهيد": ما ذهب إليه الشافعي من حديث القُلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر؛ لأنه قد تكلَّم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل.
وقال الدَّبّوسي: هو خبر ضعيف، ومنهم من لم يقبله؛ لأن الصحابة والتابعين لم يعلموا به.
وقال ابن العربي: مداره على علة أو مضطرب أو موقوف، وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير، وهو إباضيّ. واختلفت روايته، فقيل: قلتين، وقيل: قلتين أو ثلاثًا، ورُوي: أربعون قلة، وروي: أربعون فرقًا، ووُقِف على أبي هريرة وعبد الله بن عمرو.
وقال اليَعْمَري: حكم ابن مندة بصحته على شرط مسلم من جهة الرواة، ولكنه أعرض عن جهة الرواية بكثرة الاختلاف فيها والاضطراب، ولهذا لم يخرِّجه مسلم ولا البخاري.
واختلفوا في مقدار القُلتين؛ لأن القلة في العرف تُطلق على الكبيرة