ويدُل على أنه علم بما أُلقي على ظهره أن فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه، وعقَّب هو صلاته بالدعاء عليهم، وأجيب بأنه لا يلزم من إزالة فاطمة إياه عن ظهره إحساسه عليه الصلاة والسلام به؛ لأنه كان إذا في دخل في الصلاة استغرق باشتغاله بالله، ولئن سلمنا إحساسه فقد يُحتمل أنه لم يتحقق نجاسته، لأن شأنه أعظم من أن يمضي في صلاته وبه نجس.
وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيمًا. وفيه معرفة الكفار بصدقه -صلى الله عليه وسلم- لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له. وفيه استحباب الدعاء ثلاثًا، وقد مر في العلم استحباب السلام ثلاثًا وغير ذلك. وفيه جواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم: محله إذا كان كافرًا، فاما المسلم فيستحب الاستغفار له، والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر، لما كان بعيدًا، لاحتمال أنه عليه الصلاة والسلام اطلع على أن المذكورين لا يؤمنون والأولى أن يدعى لكلِّ حيٍّ بالهداية.
وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صغرها، لشرفها في قومها، لكونها صرَّحت بشتمهم وهم رؤوس قريش، فلم يردُّوا عليها.
وفيه أن المباشرة أقوى من السبب والإعانة، لقوله في عقبة:"أشقى القوم"، وقد كان فيهم أبو جهل، وهو أشدُّ منه كفرًا، إلى آخر ما مرَّ قريبًا. أهـ.
وحاصل ما حُرِّر في قتل أبي جهل ومن معه، هو أن كلًّا من ابني عفراء سأل عبد الرحمن بن عوف عن أبي جهل، فدلَّهما عليه، فشدَّا عليه، فضرباه حتى قتلاه، وفي آخر حديث مسدد: أحدهما معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء، وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نظر في سيفيهما وقال:"كلاكما قتله" وأنه قضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح.
وعفراء والدة معاذ، واسم أبيه الحارث، وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أبيه عفراء، وإن أُطلق عليه تغليبًا، ويحتمل أن تكون له أُم تسمى عفراء.