ذكره، والمراد به جبريل، وكانوا يسمونه الناموس الأكبر، والناموس صاحب السر مطلقًا، كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء، وقيل: هو صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، والأول هو الصحيح "ونَزَّلَ" بتشديد الزاي، وهو يستعمل فيما نُزِّلَ نجومًا. وفي رواية الكُشْمِيْهَنيّ:"أنزل الله"، وهو يستعمل فيما نُزِّلَ جملةً. وفي التفسير: أنزل بالبناء للمفعول، فإن قلت: لم قال: على موسى؟ ولم يقل: على عيسى؟ مع أنه كان نصرانيًا؟ أجيب بأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام، وكذلك القرآن بخلاف كتاب عيسى، فإنه أمثال ومواعظ، أو لأن موسى بُعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى، وكذلك وقعت النقمة على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - بفرعون هذه الأمة، أبي جَهل ومن معه ببدر، أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتابين بخلاف عيسى، فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته.
وقوله:"ياليتني فيها جَذعًا" ضمير "فيها" لمدة النبوة، أو الدعوة، وقيل: إن المنادى محذوف تقديره يا محمَّد، ليتني. وحيث يكون المنادى وحده ليس معه أحد ينادى، كقول مريم:{يَا لَيْتَنِي مِتُّ}[مريم: ٢٣] يقدر أنه جرد شخصًا لنفسه، وخاطبه و"جَذعًا" روي بالرفع على الأصل، وروي بالنصب فقيل: إنه على لغة من ينصب الجزأين بـ "ليت" وأخواتها كما قال الشاعر:
أو منصوب بكان مقدرة، أو بفعل محذوف جعلت، أو على الحال.
والجَذَع -بفتح الجيم والذال- الصغير من البهائم، واستعير للإِنسان، كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإِسلام شابًا حتى يقوى على المبالغة في نُصرته، وبهذا يتبين سر وصفه بأنه كان كبيرًا أعمى. وفي هذا دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل الخير، لأن ورقة تمنى أن يعود شابًا، وهو محال عادة، والظاهر أن التمني ليس مقصودًا