للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على بابه، بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به.

وقوله: "إذْ يُخْرِجُكَ قومُكَ" فيه استعمال "إذ" في المستقبل كإذا، على حد قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: ٣٩] قاله ابن مالك وغيره، وتعقبه البُلْقِينيّ بأنهم منعوا وروده، يعني وروده ورودًا محمولًا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال، وأولوا ما ظاهره ذلك بأن فيه استعمال الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البُخاري: "حينَ يُخْرِجُكَ قومُكَ" والتحقيق أن في كل من الأمرين ارتكاب مجاز، والمجاز الأخير أولى لما ينبني عليه من إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقًا، أو استحضارًا للصورة الآتية في هذه دون تلك.

وقوله: "أو مُخْرجيَّ هُمْ؟! " -بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها- جمع مخرج، فهم مبتدأ مؤخر، ومخرجي خبر مقدم، ولا يجوز العكس، لما فيه من الأخبار بالمعرفة عن النكرة، لأن إضافة مُخرجي غير مَحْضة، بل هي لفظية, لأن اسم الفاعل بمعنى الاستقبال. وأصل "مخرجي" مخرجوي، حذفت نون الجمع للإِضافة إلى ياء المتكلم، فاجتمعت الياء والواو، وسُبِقَ أحدهما بالسكون، فأبدلت الواو ياءً، وأُدغمت، لقول ابن مالك:

إِنْ يَسكن السابقُ مِنْ واوٍ وَيا ... واتَّصلا ومن عَروضٍ عَريا

فياءً الواوَ اقلبنَّ مدِغمًا

والهمزة للاستفهام الإِنكاري، إنه استبعد إخراجه عن الوطن، لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل من غير سبب يقتضي ذلك؛ فإنه عليه الصلاة والسلام، كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإِكرامه، وإنزاله منهم محل الروح من الجسد، والجملة عطف على قول ورقة: "إذ يُخْرجُكَ قومُك" وعطف الإنشاء على الخبر جائز عند النحاة. وأهل البيان

<<  <  ج: ص:  >  >>