كما فعلت عائشة على ظاهر رواية عطاء المارّة، المارُّ أنها ضعيفة.
والرافع للإِشكال ما رواه مسلم عن جابر:"أن عائشة أهلَّت بعُمرة، حتى إذا كانت بسَرِف حاضت، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أهِلّي بالحجِّ. حتى إذا طَهُرت، طافت بالكعبة وسعت، فقال: قد حَلَلْتِ من حجِّك وعُمرتك. قالت: يا رسول الله: إني أجد في نفسي أني لم أطُف بالبيتِ حتى حجَجْتُ. فأعمرها من التَّنْعيم".
ولمسلم عن طاووس عنها: "فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: طوافُكِ يسعُك لحجِّك وعُمرتك"، فهذا صريح في أنها كانت قارِنة، لقوله: "قد حللتِ من حجِّك وعُمرتك"، وإنما أعمرها من التَّنْعيم تطييبًا لخاطرها، لكونها لم تطُف بالبيت حين دخلت معتمِرةً، وقد وقع عن مسلم: "وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رجلًا سَهْلًا، إذا هَوَتْ شيئًا تابَعَها عليه".
وقال عِياض وغيره: الصواب في الجمع بين الروايات المختلفة عن عائشة أنها أحْرَمَتْ بالحجِّ كما هو ظاهرُ إحدى روايتي القاسم وغيره عنها، ثم فسخته في العمرة لما فسخ الصحابة، وعلى هذا تنزَّل قولُ عُروة عنها: "أحرمتُ بعُمرة".
فلما حاضت وتعذَّر عليها التحلُّل من العمرة لأجل الحيض، وجاء وقت الخروج إلى الحجِّ أدخلتِ الحجَّ على العُمرة، فصارت قارِنة، واستمرَّت إلى أن تحلَّلت، وعليه يدُلُّ قولُه لها في رواية طاووس عنها عند مسلم المارة: "طوافُك يسعُكِ لحجِّك وعُمرتك".
وأما قوله لها: "هذه مكانَ عُمرتك"، فمعناه: العمرة المنفردة التي حَصَلَ منها التحلُّل بمكة، ثم أنشؤوا الحجَّ منفِردًا، فعلى هذا، فقد حصل لعائشة عمرتان.