-صلى الله عليه وسلم-، أنه سأله عليه الصلاة والسلام: أيقبِّل الصائم؟ فقال: سل هذه لأُم سلمة، فأخبرته أنه عليه الصلاة والسلام يصنعُ ذلك. فقال: يا رسول الله، قد غُفِر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخّر. فقال:"أما والله إني لأتقاكُم لله، وأخشاكُم له". وعمر حينئذٍ كان شابًّا، ولعله كان أول ما بلغ.
وفيه دِلالة على أنه ليس من الخصائص. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار، عن رجل من الأنصار، أنه قبَّل امرأته وهو صائم، فأمر امرأته أن تسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فسألته، فقال:"إني أفعلُ ذلك". فقال زوجها: يرخِّص الله لنبيه ما يشاء. فرجَعَتْ، فقال:"أنا أعلمُكُم بحدود الله وأتقاكم".
وقال النووي: القُبلة في الصوم ليست محرمَّة على من لم تحرِّك شهوته، لكن الأولى له تركها، وأما مَن حرَّكَت شهوتَه فهي حرام في حقه على الأصح. وقيل: مكروهة.
وروى ابن وَهْب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض، وهذا الذي قاله قريب من التفصيل المار عن المالكية. وقد قال المازَرِيّ منهم: ينبغي أن يُعتبر حال المقبِّل، فإن أثارت منه القُبلة الإِنزال حَرُمت عليه، لأن الإِنزال يُمنع منه الصائم، فكذلك ما أدّى إليه، وإن كان عنها المذي، فمن رأى القضاء منه قال: يحرم في حقه، ومن رأى أَنْ لا قضاءَ، قال: يكره. وإن لم تؤدِّ القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسدِّ الذريعة.
قال: ومن بديعِ ما رُوي في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للسائل عنها فيما أخرجه أبو داود والنسائي عن عمر، وقال النسائي: إنه منكر، وصححه ابن خُزيمة وابن حِبّان والحاكم:"أرأيتَ لو تمَضْمَضْتَ؟ "، فأشار إلى فقهٍ بديعٍ، وذلك أن المضمضة لا تنقُضُ الصوم، وهي أول الشُّرب ومفتاحه، كما أن القُبلة من دواعي الجِماع ومفتاحه، والشرب يُفسد الصوم كما يفسده الجِماع، فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا تُفْسِد الصوم، فكذلك أوائل الجِماع.