قال القسطلاّني: وخصَّ بعضُ أصحابنا من عموم الحديث غير ذوات الهيئات والمستحسنات، وأما هُنَّ فيُمْنَعْن، لأن المفسدة إذ ذاك كانت مأمونة بخلافها اليوم، وقد قالت عائشة في "الصحيح": لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النِّساء لمَنَعَهُنَّ المساجد كما مُنِعت نساء بني إسرائيل.
قلت: هذا قالته عائشة رضي الله تعالى عنها بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بزمن يسير جدًّا، وأما في هذا الزمان فلا يرخَّص لهُنَّ الخروج بتاتًا لا في فرضٍ ولا في عيد ولا غيره.
وقال في "الفتح": إن بعض العلماء حمل الأمر في الحديث في خروجهن على النَّدْب، وجزم بذلك الجُرجاني من الشافعية، وابن حامِد من الحنابلة، ونصَّ الشافعي في "الأم" على استثناء ذوات الهيئات. ونصه: وأنا أَحِبُّ شهودَ العجائزِ وغيرِ ذوات الهيئات للصلاة، وأنا لشُهودِهِنَّ الأعياد أشدُّ استحبابًا. وفي رواية المُزَني بإسقاط الواو من:"غير ذوات الهيئات"، فتكلون صفة للعجائز، ويكون الحكم مقصورًا عليهن دون الشوابِّ.
وقد قال النووي في "شرح المهذَّب" يكره للشابّة ومن تُشْتَهى الحضور خوف الفتنة عليهن، وبهنَّ.
قال في "الفتح": والأولى أن يُخَصَّ خروجُهن بمن يُؤمن عليها وبها الفتنة، ولا يَتَرَتَّب على حضورها محظورٌ، ولا تُزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع.
وقال العَيْني: مذهب أصحابنا ما ذكره في "البدائع": أجمعوا على أنه لا يُرَخص للشابّة في الخروج إلى العيدين والجمعة وشيء من الصلوات، لقوله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب: ٣٣]، ولأن خروجَهن سببٌ للفِتنة. وأما العجائز فيُرَخَّص لهُنَّ في الخروج للعيدين، ولا خلاف أن الأفضل أن لا يخرُجْن في صلاة ما، فهذا خرجْن يُصلّين صلاة العيد. في رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي رواية أبي يوسُف عنه: لا يصلّين، بل يكثِّرْنَ سواد المسلمين، وينتَفِعْنَ بدعائهم.