للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الحديث جميع أنواع المتابعة التامة والناقصة، والتي سُمي فيها المتابَع عنه، والتي لم يُسَمَّ فيها.

واعلم أنَّ المتابعة متفرعةٌ عن الاعتبار، فالاعتبار هو اختيارُك للحديث الذي تجده بأن تنظر طرقه لتَعْرِفَ: هل شارك راويَهُ الذي يُظَنُّ تَفَرُّدُهُ به راوٍ غيره فيما حَمَلَ من ذلك الحديث عن شيخه سواءٌ اتفقا في روايته بلفظه عنه أم لا؟ فإن شارك راويَ الحديث راوٍ معتبر به بأن يصلُح أن يخرجَ حديثه للاعتبار والاستشهاد -كما يأتي بيانه قريبًا إن شاء الله-، فحديث من شارك تابعٌ حقيقةً، وهذه متابعة تامةٌ إن اتفقا في رجال السند كلهم، وإن شُورِكَ شيخُه في روايته له عن شيخه فما فوق شيخه إلى آخر السند واحدًا بعدَ واحد حتى الصحابي، فهو تابع أيضًا، لكنه قاصرٌ عن مشاركته هو وكلَّما بَعُد فيه المتابَع، كان أقصَر، وقد يسمى كلٌّ من المتابع لشيخه فَمن فوقَه شاهدًا أيضًا.

وإذا فُقِدَ التابعُ فإن وجد متن في الباب بمعناه كان عن ذلك الصحابي أو غيره، فهو الشاهد فالتابع على هذا مختص بما كان باللفظ كان من رواية ذلك الصحابي، أم لا؟ والشاهد مختص بما كان بالمعنى كذلك، وقد يطلق على المتابعة القاصرة، لكن الذي عليه الجمهور وهو الذي رجحه ابن حجر، هو أنه لا اختصاصَ فيهما بذلك وأن افتراقهما بالصحابي فقط، فكل ما جاءَ عن ذلك الصحابي تابِع، أو عن غيره فشاهدٌ، وقد يطلق كل منهما على الآخر، والأمر فيه سهل، وما خلا عن الشاهد والتابع يسمى فردًا، وقد مر الكلام عليه في الحديث الأول.

ومَثَّل العراقي لما وُجد له تابعٌ وشاهدٌ بحديث مُسلم المرويِّ من طريق سفيان بن عُيَيْنَة عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رَباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بشاةٍ مطروحة أُعْطِيَتْها مولاةُ ميمونة من الصدقة، فقال: "لو أخَذوا إهابَها فَدَبَغُوه فانْتَفَعوا به".

فلفظة الدِّباغ انفرد بها ابنُ عُيينة، عن عَمرو بن دينار، ولم يُتابع

<<  <  ج: ص:  >  >>