عثمان بن عمر عن مالك: جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره، ويمكن توجيهه بأن يكون هناك أربعة أعمدة: اثنان مجتمعان، واثنان منفردان، فوقف عند المجتمعين، لكن يعكر عليه قوله "وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة" بعد قوله "وثلاثة أعمدة وراءه" وقد قال الدارقطني: لم يتابع عثمان بن عمر على ذلك.
ويمكن الجمع بين رواية إسماعيل والرواية قبلها، وهي من عبد الله بن يوسف، بأنه حيثُ ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك، ويُرشد إلى ذلك قوله "وكان البيت يومئذ"، لأن فيه إشعارًا بأنه تغير عن هيأته. وقال الكرماني: لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجملٌ بَيِّنَتْه رواية "وعمودين" ويحتمل أن يقال: لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد، بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتهما. ولفظ المقدمين في الحديث السابق مشعر به، ويؤيد هذا رواية مجاهد المذكورة هنا "بين الساريتين اللتين على يسار الداخل" فإنها صريحة في أنه كان هناك عمودان على اليسار، وأنه صلى بينهما، فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمين، لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين، فيصبح قول من قال "جعل عن يمينه عمودين" وقول من قال "جعل عمودًا عن يمينه" وجوز الكرمانيّ احتمالًا آخر، وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة، فصلى إلى جنب الأوسط، فمن قال جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه، ومن قال عمودين اعتبره، وهو مسبوق إلى هذا الاحتمال. وأبعد منه قولُ من قال: انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان، ولا تبطل الصلاة بذلك لقلته.
وقد مر لك أن هذا كله إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يُهدم ويُبنى في زمن ابن الزبير، وأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع عند المؤلف أن بين موقفه عليه الصلاة والسلام والجدار الذي استقبله قريبًا من ثلاثة أذرع، وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود والدارقطنيّ