أي أظهر نفسه وأنكر غيره الرواية" والذي في "مختصر المزني" و"الأم" وغيرهما عن الشافعي كرواية الجمهور "واشترطي" بصيغة أمر المؤنث من الشرط، ثم حكى الطحاويّ أيضًا تأويل الرواية التي بلفظ "واشترطي" بأن اللام في قوله "واشترطي لهم" بمعنى "على" كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وهذا هو المشهور عن المزني. وهو صحيح عن الشافعيّ. أسنده البيهقي في "المعرفة" إليه. وحكى الخطابيّ عن ابن خزيمة أن قول يحيى بن أكثم غلط، والتأويل المنقول عن المزني لا يصح، وقال النووي تأويل اللام هنا بمعنى "على" ضعيف, لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط، ولو كان بمعنى "على" لم ينكره، فإن قيل: ما أنكره إلا إرادة الاشتراط في أول الأمر، فالجواب أن سياق الحديث يأبى ذلك، وضعفه أيضًا ابن دقيق العيد، وقال: اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع، بل على مطلق الاختصاص، فلابد في حملها على ذلك من قرينة.
وقال آخرون: الأمر في قوله "واشترطي" للإباحة، وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء، فكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي، فذلك لا يفيدهم. ويقوّي هذا التأويل قوله في رواية أيمن الآتية آخر أبواب المكاتب "اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاؤوا". وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بَريرة، فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه، أطلق الأمر مريدًا به التهديد على مآل الحال، كقوله:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} وكقول موسى {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} أي فليس ذلك بنافعكم، وكأنه يقول: اشترطي لهم، فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم.
ويؤيده قوله حين خطبهم "ما بال رجال يشترطون ... الخ" فوبخهم بهذا القول مشيرًا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة، لا بتوبيخ الفاعل؛ لأنه كان يكون باقيًا على البراءة الأصلية، وقيل: الأمر فيه بمعنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي،