للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الجواب.

وقال الخطابيّ: وجه هذا الحديث أن الولاء لمّا كان كلحمة النسب، والإنسان إذا ولد ثبت له نسبه، ولا ينتقل نسبه عنه، ولو نسب إلى غيره، فكذلك إذا أعتق عبدًا ثبت له ولاؤه، ولو أراد نقل ولأنه عنه، أو أذن في نقله عنه، لم ينقلُ فلم يعبأ باشتراطهم الولاء. وقيل: اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاءوا ونحو ذلك, لأن ذلك غير قادح في العقد، بل هو بمنزلة اللغو من الكلام، وأخّر إعلامهم بذلك ليكون رده وإبطاله قولًا شهيرًا، يخطب به على المنبر ظاهرًا، إذ هو أبلغ في النكير، وأوكد في التعبير، وهو يؤول إلى أن الأمر فيه للإباحة كما مرَّ.

وفي حديث بَريرة من الفوائد، سوى ما سبق، جواز بيع المكاتَب لقوله عليه الصلاة والسلام "اشتريها وأعتقيها" إذا رضي المكاتب بذلك ولو لم يعجز نفسه، وهذا قول أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبي ثَور، وأحد قولي الشافعي، ومالك، واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما، على تقاصيل لهم في ذلك، وضعفه أبو حنيفة والشافعيّ في أصح القولين عنه، والمشهور في مذهب مالك جواز بيع الكتابة دون الرقبة، وأجاب الجميع عن قصة بَريرة بانها عجزت نفسها، واستدلوا باستعانة بَريرة عائشةَ، وليس في استعانتها ما يستلزم العجز، ولاسيما مع القول بجواز كتابة من لا مال له ولا حرفة له.

قال ابن عبد البر ليس في شيء من طرق حديث بَريرة أنها قد عجزت عن أداء النجم، وأخبرت بأنه قد حل عليها شيء، ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لها عن شيء من ذلك. ومنهم من أوَّل قولها "كاتبتُ أهلي" فقال: معناه راودتهم، واتفقت معهم على هذا القدر، ولم يقع العقد بعد، ولذلك بيعت، فلا حجة فيه على بيع المكاتب مطلقًا، وهو خلاف ظاهر سياق الحديث، ويقوي الجوازَ أيضًا أنّ الكتابة عتق بصفة، فيجب أن لا يعتق إلا بعد أداء جميع النجوم، كما لو قال: أنت حر إنْ دخلت الدار، فلا يعتق إلا بعد تمام دخولها, ولسيده بيعه قبل دخولها.

<<  <  ج: ص:  >  >>