للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعتقت. ومذهب عمر بن عبد العزيز والزّهري ومالك أن ولاءه للمسلمين، يرثونه ويعقلون عنه.

وقال الشعبيّ والنخعيّ والكوفيون: لا بأس ببيع ولاء السائبة وهبته. ومذهب أحمد أن ولاءه للمعتق عليه، فلو أخذ من ميراثه شيئًا رد مثله، وفيه دليل على جواز الكتابة، فإذا كاتَبَ رجلٌ عبده أو أمته على مال شرط عليه، ورضي العبد ذلك، صار مكاتَبا، والدليل عليه أيضًا قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} والأمر دال على مشروعية العقد، سواء كان الأمر للوجوب أو لغيره. وهذا ليس بأمر إيجاب إجماعًا سوى ما ذهب إليه داود الظاهريّ ومن تبعه، وروى نحوه عن عمرو بن دينار وعطاء وأحمد في رواية, وروى صاحب التقريب عن الشافعيّ نحوه، فإن قيل ظاهر الأمر للوجوب، كما ذهب إليه هؤلاء، فالجواب أن هذا في الأمر المطلق المجرد عن القرائن، وهنا مقيد بقوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فيكون أمر ندب. وذهب بعض الحنفية إلى أنه للإباحة، وهو غير صحيح، لأن في العمل على الإباحة إلغاء الشرط، إذ هو مباح بدونه اتفاقًا، وكلام الله منزه عن ذلك.

والمراد بالخير المذكور في الآية أن لا يضر المسلمين بعد العتق، فإن كان يضرهم فالأفضل أن لا يكاتبه، وإن كان يصح. وعن ابن عباس وابن عمر وعطاء: القوةُ على الكسب، والوفاء بما وقعت الكتابة عليه. وروي عن الثَّوريّ والحسن البصريّ أنه الأمانة والدين خاصة. وقيل: هو الوفاء والأمانة والصلاح، وإذا فقد الأمانة والكسب والصلاح لم تكره عند مالك وأبي حنيفة والشافعيّ. وقال أحمد وإسحاق، وأبو الحسين بن القطّان من الشافعية: تكره، وليس المراد به المال. ويؤيد ذلك أن المال الذي في يد المكاتب لسيده، فكيف يكاتبه بماله؟ لكن من يقول إن العبد يملك لا يرد عليه هذا، وقد نقل عن ابن عباس أن المراد بالخير المال، مع أنه يقول: إن العبد لا يملك، فنسب إلى التناقض، والذي يظهر أنه لا يصح عنه أحد الأمرين. واحتج غيره بأنّ العبد مال سيده، والمال الذي معه لسيده، فكيف يكاتبه بماله؟ وقال آخرون: لا يصح تفسير

<<  <  ج: ص:  >  >>