وقد تواترت الأخبار بتحورهم في الصور، واختلف أهل الكلام في ذلك، فقيل: هو تخييل فقط، ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية، وقيل: بل ينتقل، لكن لا باقتدارهم على ذلك، بل بضرب من الفعل، إذا فعله انتقل كالسحر. وهذا يرجع إلى الأول، وفيه أثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح "إنّ الغِيلان ذكروا عند عمر فقال: إن أحدًا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها, ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك "فأذِّنوا" وهذا يدل على وجودهم، كدلالة حديث الباب وغيره من الآيات والأحاديث على ذلك.
قال إمام الحرمين في الشامل: إن كثيرًا من الفلاسفة والزنادقة والقَدَرية أنكروا وجودهم رأسًا، قال: ولا يتعجب ممن أنكر ذلك من غير المشرعين، إنما العجب من المشرعين مع نصوص القرآن والأخبار المتواترة. قال: وليس في قضية العقل ما يقدح في إثباتهم، وأكثر ما استروح إليه من نفاهم حضورهم عند الإنس، بحيث لا يرونهم، ولو شاءوا لأبدوا أنْفُسَهم، وإنما يستبعِدُ ذلك مَنْ لم يُحط علمًا بعجائب المقدورات. وقال القاضي أبو بكر: وكثير من هؤلاء يثبتون وجودهم، وينفونه الآن، ومنهم من يثبتهم وينفي تسلطهم على الإنس. وقال عبد الجبار المعتزليّ: الدليل على إثباتهم السمعُ دون العقل: إذ لا طريق إلى إثبات أجسام غائبة, لأن الشيء لا يدل على غيره من غير أن يكون بينهما تَعَلُّق، ولو كان إثباتهم باضطرارٍ أما وقع الاختلاف فيه، إلا أنا قد علمنا بالاضطرار بأن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقدين بإثباتهم، وذلك أشهر من أن يتشاغل بإيراده.
واختلف في صفتهم، فقال الباقلانيّ: قال بعض المعتزلة: الجن أجسام رقيقة بسيطة، قال: وهذا عندنا معاشر أهل السنة غير ممتنع إن ثبت به سمع. وقال أبو يعلي بن الفراء: الجن أجسام مؤلفة، وأشخاص ممثلة، يجوز أن تكون رقيقة، وأن تكون كثيفة، خلافًا للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة، وأنّ امتناع رؤيتنا من جهة رقتها، وهذا مردود، فإن الرقة ليستْ بمانعة من الرؤية،