ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها، واختلف في أصلهم، فقيل: إن أصلهم من ولد إبليس، فمن كان منهم كافرًا سُمي شيطانًا, وقيل: ان الشياطين خاصة أولاد إبليس، ومن عداهم ليسوا من ولده. وحديث ابن عباس الآتي في تفسير سورة الجن، يقوّي أنهم نوع واحد من أصل واحد، واختلف صنفه، فمن كان كافرًا سمي شيطانًا، وإلا قيل له جنيّ.
واختُلف أيضاً هل يأكلون ويشربون ويتناكحون أم لا؟ فقيل بالنفي، وقيل بمقابله ثم اختلفوا، فقيل: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع، وهو مردود بما رواه أبو داود عن أمية بن مخشي قال:"كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالساً ورجل يأكل ولم يسم إلا في آخره، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:(ما) زال الشيطان يأكل معه، فلما سمّى استقاء ما في بطنه" وروى مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "لا يأكلنَّ أحدكم بشِماله ويشرب بشماله، فإنَّ الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".
وروى ابن عبد البَر عن وهب بن منبه أن الجن أصناف، فخالصهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون، وجنس منهم يقع منهم ذلك، ومنهم السَّعَالي والغُول والقُطْرُب، وهذا إن ثبت كان جامعًا للقولين الأولين، ويؤيده ما روى ابن حبّان والحاكم، عن أبي ثعلبة الخشنيّ قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "الجنّ على أصناف ثلاثة: صنف لهم أجنحة، يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعقارب، وصنف يحلون ويظعنون". وروى ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث:"وصنف عليهم الحساب والعقاب".وروى عن ابن أبي الدنيا عن يزيد بن يزيد، أحد ثقات الشاميين، من صغار التابعين، قال: ما من أهل بيت إلا وفي سقف بيتهم من الجن، وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا معهم، والعشاء كذلك.
واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا