جَانٌّ} وبقوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} والدلالة من ذلك ظاهرة، واعتل من أنكر ذلك بان الله تعالى أخبر أن الجانّ خلق من نار، وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع معه التوالد، والجواب أن أصلهم من النار، كما أن أصل الآدمي من التراب، وكما أن الآدمي ليس طينًا حقيقة، كذلك الجني ليس نارًا حقيقة، وقد مر لك في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام "فأخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي" وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} فقال: كيف تحرق النار النار؟ وأما كونهم مكلفين فقال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون، وقال عبد الجبار: لا نعلم خلافاً بين أهل النظر في ذلك، إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية، أنهم مضطرون إلى أفعالهم، وليسوا بمكلفين، قال: والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين، والتحرز من شرهم، وما أُعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر، وارتكب النهي مع تمكنه من أن لا يفعل. والأيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جدًا.
وإذا ثبت تكليفهم فقد اختلفوا هل كان فيهم نبي أم لا؟ فروى الطبريّ من الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، قال: ومن قال بقول الضحاك احتج بأن الله تعالى أخبر أنّ من الجن والإِنس رسلًا أُرسلوا إليهم، فلو جاز أن المراد برسل الجن رسل الإنس لجاز العكس، وهو فاسد، وأجاب الجمهور عن ذلك بأن معنى الآية: أن رسك الإنس رسل من قبل الله إليهم، ورسل الجن بثهم الله في الأرض، فسمعوا كلام الرسل من الإنس، وبلّغوا قومهم، ولهذا قال قائلهم:{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} الآية.
واحتج ابن حزم بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "وكان النبيّ يُبعث إلى قومه، وليس الجن من قوم الإِنس، فثبت أنه كان منهم أنبياء إليهم. قال: ولم يبعث من الإنس إلى الجنّ إلا نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، لعموم بعثته إلى الجن والإِنس باتفاق.
وقال ابن عبد البر: لا يختلفون أنه عليه الصلاة والسلام بُعث إلى الجن