للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنس، وهو مما فُضِّل به على الأنبياء، ونقل عن ابن عباس في قوله تعالى في سورة غافر {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} قال: هو رسول الجن، وقال إمام الحرمين في الإرشاد: وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ادَّعى كونه مبعوثًا إلى الثقلين اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين، وثبت التصريح بذلك في حديث "وكان النبي إلى قومه وبعثتُ إلى الإنس والجن" فيما أخرجه البزار، وعن ابن الكلبيّ "كان النبيُّ يُبعث إلى الإنس فقط، وبُعث محمد إلى الإنس والجن" وإذا تقرر كونهم مكلفين، فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإِسلام، وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه، لما ثبت من النهيّ عن الروث والعَظم، وأنهما زاد الجن، ويأتي في السيرة النبوبة حديث أبي هريرة، وفي آخره، "فقلتُ ما بالُ الروثِ والعظمِ قال: هما طعام الجن" فدل على جواز تناولهم للروث، وذلك حرام على الإنس.

وكذلك روى أحمد والحاكم عن ابن عباس قال "خرج رجل من خيبر، فتبعه رجلان وآخر يتلوهما، يقول: ارجعا، حتى ردهما، ثم لحقه فقال: إن هذين شيطانان، فإذا أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاقرأ عليه السلام، وأخبره أنّا في جمع صدقاتنا, ولو كانت تصلح له لبعثناها إليه، فلما قدم الرجل المدينةَ أخبر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، فنهى عن الخلوة" أي عن السفر منفردًا.

وأما ثوابهم وعقابهم فلم يختَلِف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختُلف هل يثابون؟ فروى الطبريّ وابن أبي حاتم عن أبي الزناد موقوفًا "قال: إذا دخل أهل الجنةِ الجنة، وأهل النارِ النارَ، قال الله لمؤمن الجن وسائر الأمم من غير الإنس: كونوا ترابًا، فتحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا". وروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: "ثواب الجن أن يجارُوا من النار، ثم يقال لهم: كونوا ترابًا" وروى عن أبي حنيفة نحو هذا القول، وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والأوزاعيّ وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>