وسمى إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلَ الله, لأنه وإلى فيه وعادى فيه. وقيل: سمى بذلك لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه. وقيل: سمي بذلك لأنه تخلل بخلال حسنة، وأخلاق كريمة، وهذا كله بالنسبة إلى الإنسان. وأما خُلة الله للعبد، فبمعنى نصره له، ومعاونته. واختلف في المودة والخلة والهبة والصداقة، هل هي مترادفة أو مختلفة؟ قال أهل اللغة: الخُلة الصداقة والمودة. وقيل: الخُلة أرفع رتبة، وهو الذي يشعر به حديث الباب، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام "لو كنت مُتخذًا خليلًا غير ربي" فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وعمر وعائشة وفاطمة والحسنين وغيرهم. ولا يعكر على هذا اتصاف إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخُلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة، لتكون المحبة أرفع رتبة من الخُلة؛ لأنه يجاب عن ذلك بان محمدًا صلى الله تعالى عليه وسلم قد ثبت له الأمران، فيكون رُجحانة من الجهتين. وذهب ابن فَوْرك إلى أن المحبة أعلى، لأنها صفة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو أفضل من الخليل. وقيل هما سواء، فلا يكون الخليل إلا حبيباً ولا الحبيب إلا خليلًا. وهذا هو الترادف المتقدم.
وقد تواردت الأحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد من الناس. قال الداوديّ: لا ينافي ذلك قول أبي هُريرة وأبي ذرٍّ وغيرهما. أخبرني خليلي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز للواحد منهم أن يقول: أنا خليل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولهذا يقال: إبراهيم خليل الله، ولا يقال: الله خليل إبراهيم. قال في الفتح: لا يخفى ما فيه، قلت: الجواب عندي هو أن المنفي كونُ النبي صلى الله عليه وسلم متخذًا خليلًا غير ربه، وذلك لا ينافي أن يكون أحد متخذًا له هو، عليه الصلاة والسلام، خليلًا، إذ لم يشترطوا أنَّ الخُلة لابد أن تكون من الطرفين. ورأيت في فتح الباري في صلاة الضحى الإشارةَ إلى ما قلته بعد كَتبي له، فقال: الممتنع أن يتخذ هو صلى الله تعالى عليه وسلم غيره خليلًا، لا العكس، ولا يقال إن المخالَّة لا تتم حتى تكون من الجانبين, لأنا نقول إنما نظر الصحابي