بالاستقراء، من عادته أنه لا يَغْدِر، ولكن لما كان الأمر مغيَّبًا لأنه مستقبل، أمن أبو سفيان من أن يُنْسَبَ في ذلك إلى الكذب، ولهذا أورده على التردد، ومن ثمَّ لم يُعَرِّجْ هِرَقْل على هذا القدر منه، وقد صرح بذلك في رواية ابن إسحاق عنه، فقال:"والله ما التَفَتَ إليها مني" و"غير" يحتمل فيها الرفع نعتًا لكلمة، والنصب نعتًا لشيء، وإنما ساغ نعتها للنكرة مع أنها مضافة إلى المعرفة، لأنها لا تتعرف بالإضافة، لتوغلها في الإِبهام، إلَّا إذا كانت بين متغايرين بالتضاد، ونحوه، كقوله:{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] وليس "غير" هنا كذلك.
وقوله:"فَهَلْ قاتَلْتُموه؟ " نَسَبَ ابتداء القتال إليهم، ولم ينسِبهُ إليه عليه الصلاة والسلام، لما اطلع عليه من أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يبدأ قومه بالقتال.
وقوله:"فكيفَ كان قِتَالُكُم إياه" فيه فصل ثاني الضميرين، وهو جائز الفصل والوصل كما قال ابن مالك:
وَصِلْ أو افْصِل هاء سَلنيهِ وما ... أشبهه ............ إلخ
وقوله:"الحرب بيننا وبينه سِجال" بكسر السين، أي نُوَبٌ. أي: نوبة لنا، ونوبة له، والسَّجْلُ: الدلو، شبه المحاربَين بالمستَقِيَيْن إذا كان بينهما دلو يستقي أحدهما دلوًا والآخر دلوًا، والحرب اسم جنس مبتدأ، خبره سِجال، وهو اسم جمع أو جمع، ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى مُسَاجَلَة، وفي هذا القول تشبيه بليغٌ، شبه الحرب بالسجال، مع حذف أداة التشبيه، لقصد المبالغة، كقولك: زيد أسد إذا أردت المبالغة في شجاعته، فكأنه صار عين الأسد.
وقوله:"يَنَالُ منا، وننال منه" جملة مفسرة لقوله: "سِجال"، والمفسرة لا محل لها من الإِعراب، وقيل محلها محل المفسر، وهو هنا الخبر، فيقدر لها حينئذ رابط يربطها بالمبتدأ، أي: ينال منا فيها، وننال منه فيها.