وقوله:"قال: ماذا يأمُرُكُم"؟ فيه حذف العائد، وفي بعض النسخ:"بما" وفي بعضها "فما" وفي اللفظ دلالة على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه.
وقوله:"يقول: اعبدُوا اللهَ وَحْدَهُ ولا تُشْرِكوا به شيئًا" الجملة الأخيرة عطف على اعبدوا الله، وهو من عطف المنفي على المثبت، وعطف العام على الخاص، على حد:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ}[القدر: ٤] فإن عبادته تعالى أعم من عدم الإِشراك به، وفي رواية إسقاط الواو من "ولا تشركوا" وعليه يكون تأكيدًا لقوله: "وحده"، وفي الحديث دلالة على أن للأمر صيغة معروفة، لأنه أتى بقوله: اعبدوا الله في جواب ما يأمركم، وهو من أحسن الأدلة في هذه المسألة لأن أبا سفيان من أهل اللسان، وكذلك الراوي عن ابن عباس، بل هو من أفصحهم، وقد رواه عنه مقرًّا له.
وقوله:"واتْرُكوا ما يَقُول آباؤُكم" يعني من عبادة الأوثان، وغيرها مما كانوا عليه في الجاهلية، وإنما ذكر الآباء تنبيهًا على عُذْرهم في مخالفتهم له، لأن الآباء قدوة عند الفريقين، عبدة الأوثان، والنصارى.
وقوله:"ويأمُرُنا بالصَّلاة" يعني: المعهودة، المفتتحة بالتكبير، المختتمة بالتسليم، وفي رواية بزيادة:"والزكاة".
وقوله:"والصدق" قد مر أنه مطابقة للخبر الواقع، وفي رواية:"والصدقة" بدل الصدق، ورجحها البلقيني، ويقويها رواية المؤلف في التفسير والزكاة، واعتياد اقتران الزكاة بالصلاة في الشرع، وما مر من كونهم كانوا يستقبحون الكذب، فَذِكْرُ ما لم يألفوه أولى، ولكن لا يَبْعُد أمره لهم بما هو من مألوفات كما في أمره لهم بوفاء العهد والأمانة، وقد كان من مألوفات عقلائهم، وقد ثبت في رواية اللفظان: الصدق والصدقة، وفي قوله: يأمرنا، بعد قوله: يقول: اعبدوا الله، إشارة إلى المغايرة بين الأمرين، لما يترتب على مخالفهما، إذ مخالف الأول كافر،