وهو قليل، وأجيب عنه بأن ما موصولة، والباء بمعنى عن متعلق بسألت، نحو:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:٥٩] والعائد محذوف، ويقدر حينئذ منصوبًا لا مجرورًا، لئلا يلزم على ذلك حذف العائد المجرور بغير ما جر به الموصول، أي: معنى، لأن الباء الأولى معناها عن، وذلك ممنوع فيقدر يأمركم إياه أو يأمركموه، وحذف حرف الجر من مفعول أمر الثاني، نحو: أمرتك الخير، جائز.
وقوله:"فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تُشرْكوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان" جمع وثن وهو الصنم.
وقوله:"ذَكَرْتَ أنه يأمركم" قاله هِرَقْل بالاقتضاء، لأنه ليس في كلام أبي سفيان ذكر الأمر، بل صيغة، وذكره النهي عن عبادة الأوثان مستفاد من قوله:"اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا واترُكوا ما يقولُ آباؤكم" لأنه مقولهم الأمر بعبادة الأوثان، وقد قال ابن بَطّالٍ: إن هذه الأشياء التي سأل عنها هِرَقْل ليست قاطعة على النبوة، إلا أنه يُحْتَمل أنه كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه، لأنه قال بعدَ ذلك:"قَدْ كُنْت أعلم أنه خارجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أنه منكم".
وقوله:"فإن كان ما تقول حقًّا" أي: صدقًا، لأنه خبر، وهو يحتمل الصدق والكذب.
وقوله:"مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هاتين" يريد به أرض بيت المَقْدس، أو أرض ملكه جميعًا.
وقوله:"كُنْتُ أعلم أنه خارجٌ" وفي رواية: "فإنه نبي" وفي رواية: "وهذه صفةُ نبي" وإنما قال ما قال لما عنده من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام، الثابتة في الكتب القديمة.
وفي "أمالي" المَحَامِليّ عن أبي سفيان أن صاحب بُصْرى أخذه هو وناسًا معه في تجارة، فقال له: أخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها، قلت: نعم،