الأضياف العشاء فأبوا، فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم. وفي رواية:"قد عرضنا عليهم فامتنعوا"، وفي رواية:"عرصوا" بصاد مهملة، ووجه بأنها من قولهم:"عرص"، إذا نشط، فكأنه يريد أن أهل البيت نشطوا في العزيمة عليهم، ولا يخفى بُعده.
وفي رواية الجَريريّ:"فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده، فقال: أطعموا، فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء. قال: اقبلوا عنا قِراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقينَّ منه، أي: شرًّا، فأبوا، وفي رواية مسلم: "ألا تقبلوا عنا قِراكم"، بتخفيف اللام على استفتاح الكلام. قال القُرطبيُّ: ويلزم عليه أن تثبت النون في "تقبلون" إذ لا موجب لحذفها، وضبطه أبو جعفر بتشديد اللام، وهو الأوجه. قلت: تكون هناك إن شرطية مدغمة في اللام، محذوف جوابها، تقديره يفعل بنا كذا.
وقوله: "قال: فذهبت فاختبأت"، أي: خوفًا من خصام أبي بكر له، وتغيظه عليّ. وفي رواية الجريريّ: "فعرفت أنه يجِد عليّ"، أي: يغضب، فلما جاء تغيبت عنه، فقال: يا عبد الرحمن، فسَكتُّ، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكتُّ. وقوله: فقال يا غنثر، فجدع وسبّ. وفي رواية الجريريّ: "فقال يا غُنْثَر، أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت، فخرجت فقلت: والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافُك فسلهم. قالوا: صدق، قد أتانا".
وغُنْثَرْ بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة على الرواية المشهورة، وحُكي ضم المثلثة. وحكى عياض فتح أوله وثالثه، وحكاه الخطابيّ عنتر بلفظ اسم الشاعر المشهور، وهو بالمهملة والمثناة المفتوحتين، بينهما نون ساكنة. قيل: معناه الذباب، وأنه اسم ذباب أزرق، وأنه سمي بذلك لصوته، فشبهه به حيث أراد تحقيره وتصغيره. وقيل: معنى الرواية المشهورةِ الثقيلُ الوَخِمُ. وقيل: الجاهل، وقيل: السفيه، وقيل: اللئيم، وهو مأخوذ من الغَثَر، ونونه زائدة.
وقوله: "فجدع وسبّ"، أي: دعا عليه بالجَدْع، وهو قطع الأذن والأنف أو