وذكر مَيْمون أن ابن عُمر دخل عليه رجل، فسأله عن تلك المشاهدِ، فقال: كَفَفْتُ يدي، فلم أُقْدِم، والمقاتِلُ على الحقِّ أفْضَل. كان رضِي الله عنه لوَرَعِهِ أشْكَلَت عليه حروبُ عليٍّ عليه السلام، فَقَعَد عنهُ، ثمَّ ندم على ذلك حين حضرته الوفاة، فقد روى حَبيبُ بن أبي ثابتٍ عنه أنه قال حين حَضَرَتْهُ الوفاة: ما أجِدُ في نفسي من أمر الدنيا شيئًا إلّا أنّي لم أُقاتل الفئةَ الباغية مع عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وفي رواية: ما آسى على شيءٍ إلَّا أني لم أُقاتل معَ عليٍّ الفئةَ الباغية.
وفي "البَيْهَقيِّ" ما ذَكَر ابنُ عمر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بَكَى، ولا مَرَّ بِرَبعِهم إلا غَمَّض عينيه. وعن نافع: كان ابن عُمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[الحديد: ١٦] بَكى حتى يَغْلِبه البكاء. كان رضي الله عنه له مِهْراسٌ فيه ماء، فيُصَلي ما قُدِّر له، ثم يصيرُ إلى فراشِه، فيُغْفِي إغفاء الطائرِ ثم يَقُوم، فيتوضأ فَيُصَلّي، ثم يرجِعُ إلى فراشهِ، فيُغْفِي إغفاء الطائر، يفعلُ ذلك في الليل أربع مرات أو خمسًا. وقيل لنافع: ما كان ابنُ عمر يَصْنَع في منزله، قال: الوُضوء لكلِّ صلاة، والمُصحف فيما بَيْنَهما. وعنه أيضًا أنه كان إذا فاتَتْه صلاةُ العشاء في الجماعة أحْيى بَقيَّة ليله. وعنه أيضًا: كان ابن عُمر يُحيي الليلَ صلاةً، ثم يقول: يا نافعُ اسْحَرْنا؟ فيقول: لا، فيعاودُ فإذا قال: أسحرْنا، قعد يستغفر الله حتى يصبح، وعنه أيضًا: كان ابن عُمر لا يَصُوم في السفر، ولا يكاد يُفْطِر في الحَضَر. وفي "البَيْهَقِيِّ" كان إذا فاتته صلاة في جماعةٍ صلى إلى الصلاة الأخرى. وقال الزُّبَيْر بن بَكّار: كان ابن عُمر يَحْفَظُ ما سَمِعَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَسْألُ من حَضَر إذا غابَ عن قوله وفعله، وكان يَتَّبِعُ آثار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في كل مسجدٍ صلى فيه، وكان يَعْتَرِضُ براحلته في طريقٍ رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ ناقته فيه، وكان لا يَتْرُكُ الحجَّ، وكان إذا وقف بعَرَفَةَ وقف في الموقف الذي وَقَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أوصى أن يُدْفن في الحِلِّ، فلم يُقْدَر على ذلك من أجل الحَجّاج، ودُفِن بذي طُوى، بمَقَابر المُهاجرين.