للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه في صحيح ابن حبّان بلفظ: لا يصلّي أحدكم بحضرة الطعام. وأخرجه مسلم وأخرج ابن حبّان شاهداً له عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ومما هوكحديث الباب في الدلالة على ركنيتها في الصلاة ما أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "مَنْ صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج فهي خِداج فهي خِداج غير تمام"، واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمّى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلًا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرّة الواحدة، والأصل أيضًا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلًا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرّح به في حديث الإسراء حيث سمّى المكتويات خمسا، وكذا حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد وكير ذلك، فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازًا.

قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دلّ دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدمًا، ودليل الجمهور قوله -صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته: وافعل ذلك في صلاتك كلّها -بعد أن أمره بالقراءة- وفي رواية لأحمد وابن حبّان وافعل ذلك في كل ركعة، ولعلّ هذا هو السرّ في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة، واستدلّ به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسرّ الإِمام أو جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة إلى أن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدّم، والمثبتون لركنية الفاتحة مطلقًا كالشافعية أو لغير المأموم كالمالكية يثبتونها لا على معنى الوجوب عند الحنفية، فانهم لا يقولون بوجولها قطعًا بل ظناً لأنهم يخصّون الفرضية والركنية بالقطعي، وإنما قال من قال بفرضيتها وركنيتها بالمعنى الذي سمّوه وجوبًا فلا زيادة.

وأجاب القائلون بعدم فرضيتها عن حديث الباب قبول الزيادة بالخبر إنّما تصحّ إذا كان محكمًا، أمّا إذا كان محتملًا فلا. وهذا الحديث محتمل لأن مثله يستعمل لنفي الجواز ونفي الفضيلة كقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فالمراد به نفي الفضيلة كذا هو هنا.

ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} فمعناه أنهم لا أيمان لهم موثوقًا بها، ولم ينف وجود الأيمان منهم رأسًا لأنه قال: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} وعقب ذلك أيضًا بقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} فثبت أنه لم يرد بقوله أنهم لا أيمان لهم نفي الإيمان أصلًا، وإنما أراد ما ذكر، وهذا يدل على إطلاق لفظة لا والمراد بها نفي الفضيلة دون الأصل، وحملوا معنى قوله في حديث مسلم فهي خِداج على نقصان البركة؛ لأن النقصان في الوصف لا في الذات واستدلت المالكية ومن وافقهم في عدم وجوبها على المأموم بحديث: من صلّى خلف الإِمام فقراءة الإِمام قراءة له. وبما أخرجه مسلم وغيره عن أبي موسى: وإذا قرأ فأنصتوا. وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>