فعند المالكية والشافعية يقرأ في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساطه، وفي المغرب من قصاره؛ لأن الصبح وقت النوم، والظهر وقت القيلولة فطولا ليدرك المتأخر، والعصر وقت إتمام الأعمال فخفف، والعشاء وقت الاستراحة فخفف أيضًا. وأما المغرب فإنها تأتي عند إعياء الناس من العمل وحاجتهم إلى العشاء ولاسيما الصوام، وقال الحنابلة: يقرأ في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه، ومحل سنية الطوال والأوساط إذا كان المصلى منفردًا إلى آخر ما مرَّ مستوفى في باب إذا صلّى لنفسه فليطول ما شاء من أبواب الجماعة، وفي باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم ومرّت حقيقة المفصل وتفصيله من بيان الطوال والأوساط والقصار عند الأئمة في باب إذا طول الإِمام وكان للرجل حاجة من الجماعة.
وأجاب القائلون بالاقتصار على المفصل عمّا ثبت من قراءته عليه الصلاة والسلام بطولى الطوليين في المغرب بأن قراءته -صلى الله عليه وسلم- ليست كقراءة غيره. ألا تسمع قول الصحابي: ما صليت خلف أحدٍ أخف صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان يقرأ بالستين إلى المئة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن داود عليه الصلاة والسلام كان يأمر بدوابه أن تسرج فيقرأ الزبور قبل إسراجها"، فإذا كان داود بهذه المثابة فسيدنا -صلى الله عليه وسلم- أحرى بذلك وأولى.
وإما إنكاره على معاذ فظاهر؛ لأنه غيره، واستدلوا بما أخرجه النَّسائيّ وصححه ابن خزيمة وغيره عن أبي هريرة أنه قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، قال سليمان بن يسار: فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل الحديث. وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك. وفي حديث رافع المتقدم في المواقيت وما معه من الأحاديث أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب دلالة على تخفيف القراءة فيها وعند ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عمر كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وكان الحسن يقرأ فيها إذا زلزلت والعاديات، ولا يدعهما، وروى ابن حِبّان عن جابر بن سمع أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون، وقيل هو الله أحد.
وروى البزار في مسنده بسند صحيح عن بريدة: كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب والعشاء والضحى، وكان يقرأ في الظهر، والعصر بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك. وروى الطحاوي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بالتين والزيتون. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" وفي سنده. فقال وقال التِّرمِذِيّ: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. وقال الشافعي: لا أكره ذلك بل استحب وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي. والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة في ذلك ولا استحباب، وأما مالك فاعتمد عمل أهل المدينة بل وغيرها. قال ابن دقيق العيد: استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب والحق عندنا أن ما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك وثبتت مواظبته عليه فهو وما لا تثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه، وقد مرّ تحقيق مذهب الشافعي، وقد وردت آثار