وقوله:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ} عَطف على من آمن. {إِذَا عَاهَدُوا} أي: الله أو الناس.
وقوله:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} منصوب على المَدْح، بتقدير أخُصُّ أو أمدح، ولم يعطِف لبَيانِ فضلِ الصَّبر على سائرِ الأعمال، والبَأساءُ شِدَّةُ الفقر لأن البأساءَ في الأموال، والضَّرّاء في الأبْدان.
وقوله:{وَحِينَ الْبَأْسِ} أي: وقت شدة القتال في سبيل الله، وهذا من باب الترقي في الصبر من الشديد إلى الأشد، لأن الصبر على المرض فوق الصبر على الفقر، والصبر على القتال فوق الصبر على المرض، وعدّى الصبر إلى الأوَّلَيْن بفي لأنه لا يعد الإِنسان من الممدوحين إذا صَبَرَ علي شيء من ذلك إلا إذا صار الفقر والمرض كالظرف له، وأما إذا أصاباه وقتًا ما، وصَبَرَ، فليس فيه مدحٌ كثيرٌ إذ أكثر الناس كذلك، وأتى بحين في الأخير لأن القتال حالة لا تكاد تدوم في أغلب الأوقات.
وقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي: أولئك الموصوفون بما ذَكَرَهم الذين صدقوا في إيمانهم وادعاء البر واتباع الحق.
وقوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} عذاب الله بتجنب معاصيه، وامتثال أوامره، وأتى بخبر أولئك الأول موصولًا بفعل ماض إيذانا بتحقق اتصافهم به، وأن ذلك قد وقع منهم، وغاير في خبر الثانية ليدل على أن ذلك ليس بمتجدد، بل صار كالسَّجِيّة لهم، وهذه الآية جامعة للكمالات الإِنسانية بأسرها، إذ هي تنحصر في ثلاثة أشياء، صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة للخلق، وتهذيب النفس في المعاملة مع الله، وقد أشير إلى الأول بقوله:{مَنْ آمَنَ} إلى {وَالنَّبِيِّينَ}، وإلى الثاني بقوله:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} إلى {وَفِي الرِّقَابِ}، وإلى الثالث بقوله:{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} إلى آخرها، ولذلك وُصِف المسْتَجْمِع لها بالصدق، نظرًا إلى