للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاز المؤمنون، ظفروا بمقصودهم، ونَجَوْا من كل مكروه، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] والمؤمنون جمع مؤمن، وهو المصدق بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره، وكان المؤمنون يتوقعون نوع البشارة منه تعالى، فصَدَّر السورة بما دَلَّ على ثبوت متوقعهم على أبلغ وجه، بأن أدخل قد على المضارع البارز في صورة الماضي الدالِّ على التحقيق، فكأنه قال: قد تحقق أن المؤمنين من أهل الفلاح بالإِيمان، ويجوز أن يكون جواب قسم محذوف فيزداد تأكيدًا على تأكيد.

وقوله: {خَاشِعُونَ} ظاهرًا وباطنًا، فالخشوع الظاهري التمسك بآداب الصلاة كقصر الأبصار في مواضع السجود، لأن الخشوع فعل قلب يظهر أثره في الجوارح، لحديث: "لَوْ خَشَعَ قَلبُ هذا لَخَشعتْ جوارحُه" والباطني استحضار عظمة الله تعالى، ومنه أن لا يحدث نفسه بأمر لا يتعلق بالصَّلاة، وأن يتدبر ما يجري على لسانه من القراءة والذكر، وأن لا يلتفت، لحديث: "لَا يَزَال الله مقبلًا على العَبْد ما لم يَلْتَفِت، فإذا التفتَ أعْرَضَ عنه" قال في "الجواهر": قد نَصَّ أئمتنا على وجوب الخُشوع في الصلاة، قال الغَزّالي: كل ما يَشغَلُك عن معاني قراءتك فهو وسواسٌ، ثم أتبع وصفهم بالخشوع وصفهم بالإِعراض عن اللغو، جمعًا لهم بين فعل ما ينبغي وترك ما لا ينبغي، بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:٣] والمراد باللغو كل ما لا يَعُودُ على الشخص منه فائدة في الدين أو الدنيا، قولًا كان أو فعلًا أو مكروهًا أو مباحًا، كالهَزْل واللَّعب، وضياع الأوقات فيما لا يعني، والتوغل في الشهوات، وغير ذلك مما نهى الله تعالى عنه، فبالجملة ينبغي للإِنسان أن يُرى ساعيًا في حسنةٍ لمعادِهِ، أو دِرهم لمعاشِه، ومن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وهذا كالتتمة للصلاة، فلذا فَصَّلَ به بينها وبين الزكاة التي هي أختها، وفيه مبالغات بجعل الجملة اسمية، وبناء الحكم على الضمير، والتعبير عنه بالاسم، وتقديم الصلة عليه، وأقَامَ الإِعراض مقام الترك

<<  <  ج: ص:  >  >>