للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدوث وقيل فيه حذف تقديره فيأتيهم بعض ملائكة الله ورجحه عياض قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك؛ لأنه مخلوق ويحتمل وجهًا رابعًا وهو أن المعني يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصورة المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا ربكم ورأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك.

وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن فيطلع عليهم رب العالمين وهو يقوي الاحتمال الأول وقال الخطابي الرؤية التي هي ثواب الأولياء وكرامات لهم في الجنة غير هذه الرؤية وإنما تعريضهم هذه الرؤية امتحان من الله تعالى ليقع التمييز بين مَنْ عبد الله ومَنْ عبد الشمس ونحوها فيتبع كل من الفريقين معبوده وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك قائمًا وحكمه علي الخلق جارياً حتى يفرغ من الحساب ويقع الجزاء بالثواب والعقاب ثم ينقطع إذا حققت الحقائق واستقرت أمور المعاد وأما ذكر الصورة فإنها تقتضي الكيفية والله منزه عن ذلك بما مرّ من كون المراد بها صورة ملك أو صورة من الصور المخلوقة يظهرها الله تعالى للامتحان.

وقوله: "نعوذ بالله منك" قال الخطابي: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين قال عياض: وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به قال النووي: ما قاله القاضي صحيح ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه ورجحه القرطبي في التذكرة وقال: إنه من الامتحان الثاني بتحقق ذلك فقد جاء في حديث أبي سعيد حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب وقال ابن العربي: إنما استعاذوا منه أولًا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج لأن الله لا يأمر بالفحشاء ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صورة أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون إذا جاء ربنا عرفناه أي: جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق وقال ابن الجوزي: معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيام ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه أي: إذا أتانا بما نعرفه من لطفه وهي الصورة التي عبّر عنها بقوله: يكشف عن ساق أي: عن شدة وقال القرطبي: هو مقام هائل يمتحن الله عباده ليميز الخبيث من الطيب وذلك أنه لما بقى المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة فلهذا قالوا: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين قال: وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة.

وقوله: "هذا مكاننا" جملة من المبتدأ والخبر وإنما قالوا هذا مكاننا لأن معهم المنافقين

<<  <  ج: ص:  >  >>