الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون فلما تميزوا عنهم ارتفع الحجب فقالوا عندما رأوه: أنت ربنا.
وقوله: فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها المراد بالصورة الصفة والمعنى فيتجلى لهم الله بالصفة التي يعلمونه بها وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته لأنهم يرون حينئذ شيئًا لا يشبه المخلوقين وقد علموا أنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وعبّر عن الصورة بالصفة لمجانسته الكلام لتقدم ذكر الصورة.
وفي رواية العلاء فيعرفهم نفسه أي يلقي في قلوبهم علمًا قطعيًا يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى. وقال الكلاباذي: عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه ويحتمل أن يكون أشار بقوله الصورة التي يعرفونها إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم في الآخرة ونقل ابن التين أن معنى الصورة الاعتقاد واستدل ابن قتيبة بذكر الصورة على أن لله صورة لا كالصور كما ثبت أنه شيء لا كالأشياء وتعقبوه وقال ابن بطال: تمسك به المجسمة فأثبتوا لله صورة ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعني العلامة وضعها الله لهم دليلًا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة.
وقوله:"فإذا رأينا ربنا عرفناه" قال المهلب: إن الله يبعث لهم ملكًا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء فإذا قال لهم أنا ربكم ردوا عليه لما رأوا عليه من صفات المخلوق فقوله: فإذا جاء ربنا عرفناه إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه شيئًا من مخلوقاته فحينئذ يقولون أنت ربنا قال الطيبي: لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحدة منهما ما يخص بالأخرى فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر والموقف هي آثار ذلك وفي حديث أبي سعيد زيادة هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى مَنْ كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا أي: يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود وفي لفظ لمسلم فلا يبقى مَنْ كان يسجد من تلقاء نفسه إلا أذن له في السجود أي سهل له وهوّن عليه ولا يبقى مَنْ كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقًا واحدًا كلما أراد أن يسجد خرَّ لقفاه.
وفي حديث ابن مسعود ومثله لكن قال: فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه قال: فيكشف عن ساق فيقعون سجودًا وتبقى أصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر وفي رواية الزعراء عنه عند الحاكم وتبقى ظهور المنافقين طبقًا واحدًا كأنما فيها السفافيد بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يجعل في الشاة إذا أريد أن تشوى.