وله في رواية ثابت عن أنس فتكشطت" أي: تكشفت فجعلتْ تمطُر حولَ (المدينةِ) ولا تمطُر (بالمدينة) قطرةً فنظرتُ إلى (المدينةِ) وإنها لمثلُ الإكليلِ".
ولأحمد "فتقور ما فوق رؤوسنا من السحابِ حتى كأنا في إكليل" والإكليل بكسر الهمزة وسكون الكاف كل شيء دار من جوانبه واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به. وهو من ملابس الملوك كالتاج.
وفي الحديث فوائد جمة غير ما تقدم:
فيه جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة.
وفيه القيام في الخطبة وأنها لا تنقطع بالكلام، ولا تنقطع بالمطر.
وفيه قيام الواحد بأمر الجماعة، وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة؛ لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم، وترك الابتداء بالسؤال، ومنه قول أنس: "كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وسؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه، فترجى الإجابة.
وفيه تكرار الدعاء ثلاثًا وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل ولا استقبال، والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء وليس في السياق ما يدل على أنه نواها مع الجمعة.
وفيه علم من أعلام النبوءة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة.
وفيه الأدب في الدعاء حيث لم يدع برفع المطر مطلقًا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع، واستنبط منه أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله تعالى رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة.
وفيه أن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل، وإن كان مقام الأفضل التفويض؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان عالمًا بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضًا لربه ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه في ذلك بياناً للجواز وتقريرًا لسنة هذه العبادة الخاصة، قاله ابن أبي جمرة.
وفيه جواز تبسم الخطيب على المنبر تعجبًا من أحوال الناس، وجواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك.
وفيه اليمين لتأكيد الكلام ويحتمل أن يكون ذلك جرى على لسان أنس من غير قصد اليمين، واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء، قاله ابن بطال، وتعقب بما مرّ في رواية يحيى بن سعيد "ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعون".