للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث أبي بكر "فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدًا قدر جُمعة"، وفي حديث سلمان "فينادي: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، وادع تجب".

وقوله: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمني، وفي رواية هشام "يعلمنيه" وفي رواية ثابت "بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي" وفي حديث سلمان "فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق" وكأنه -صلى الله عليه وسلم- يلهم التحميد قبل سجوده وبعده" وفيه، يكون في كل مكان ما يليق به، وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك، لا جميعه، ففي النَّسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبرانيّ، عن حذيفة، رفعه، قال: "يجمع الناس في صعيد واحد فيقال: يا محمد، فأقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والمهدي من هَديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، تباركت وتعاليت، سبحانك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك" زاد عبد الرزاق "سبحانك رب البيت" فذلك قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال ابن مَنْده: هذا حديث مُجْمع على صحة إسناده، وثقة رجاله.

وقوله: ثم أشفع فيحد لي حدًا، في رواية معبد "فأقول: ربِّ أمتي أمتي أمتي، فيحد لي حدًا" أي: يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدًا أقف عنده، فلا أتعداه، مثل أن يقول: شفَّعتك فيمن أخل بالجماعة، ثم فيمن أخل بالصلاة، ثم فيمن شرب الخمر، ثم فيمن زنى، وعلى هذا الأسلوب حكاه الطيبيّ، والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة، كما عند أحمد. وفي رواية ثابت عند أحمد "فأقول: أيْ ربّ أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة" وفي طريق النضر بن أنس قال: "فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا، فما زلت أتردد على ربي لا أقوم منه مقامًا إلا شفعت". وقد مرَّ الكلام على هذا في كتاب الإيمان، وفي أبواب صفة الصلاة في باب فضل السجود.

وقوله: ثم أخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، قال الداوديّ: كأنَّ راوي هذا الحديث ركّب شيئاً على غير أصله، وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإِخراج من النار، يعني: وذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف، والمرور على الصراط، وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار، ثم تقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج. وهو إشكال قويّ، وقد أجاب عنه عياض وتبعه النوويّ وغيره، بأنه قد وقع في حديث حُذيفة المقرون بحديث أبي هُريرة، بعد قوله "فيأتون محمدًا فيقوم، ويؤذن له" أي: في الشفاعة "وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جنبي الصراط يمينًا وشمالًا، فيمر أولكم كالبرق .. " الحديث. قال عياض: فبهذا يتصل الكلام، لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها، هي الإراحة من كرب الموقف، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج.

وقد جاء في حديث أبي هريرة بعد ذكر الجمع في الموقف الأمرُ باتباع كل أمة ما كانت تعبد،

<<  <  ج: ص:  >  >>