ونقل يحيى بن سلام البصريّ في تفسيره عن الكلبيّ قال: إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، بقيت زمرة من آخر زُمر الجنة، إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم، فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم، وقد بلغت النار منهم كل مبلغ: أما نحن فقد أُخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب، فما نفعكم أنتم توحيدكم. قال: فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم، فيسمعهم أهل الجنة، فيأتون آدم، فذكر الحديث في إتيانهم الأنبياء المذكورين قبلُ، واحدًا واحدًا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-، فينطلق فيأتي رب العزة، فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه، ثم يسأله ما تريد، وهو أعلم به، فيقول: يا رب أُناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك، وأنت أعلم بهم، فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول:"وعزتي لأخرجنهم"، فيخرجهم قد احترقوا، فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا، ثم يدخلون الجنة، فيسمون الجهنميين، فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون. فذلك قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
وهذا لو ثبت لرفع الإشكال، لكن الكلبيّ ضعيفٌ، ومع هذا لم يسنده. ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة أن سؤال المؤمنين الأنبياء، واحدًا بعد واحد، إنما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة. وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة بالاحتمال السابق في دعواه أن أحدًا من الموحدين لا يدخل النار أصلًا، وإنما المراد بما جاء أن النار تسفعهم وتلفحهم، وما جاء من الإخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف، وهو تمسك باطل. وأقوى ما يرد عليه ما مرَّ في أول كتاب الزكاة، من حديث أبي هريرة في قصة مانعي الزكاة، واللفظ لمسلم "ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها، إلا إذا كان يوم القيامة .. الخ" فهو قال على تعذيب من شاء الله من العُصاة بالنار حقيقةً، زيادة على كرب الموقف، وما ورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار، يرد على المبتدعة المذكورين.
وقوله: ثم أعود فأقع ساجدًا مثله، في الثالثة أو الرابعة، وعند أحمد عن قتادة "ثم أعود الرابعة، فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن" ولم يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة، وفي رواية معبد بن هلال عن أنس أن الحسن حدث معبدًا بعد ذلك بقوله "فأقوم الرابعة" وفيه قول الله "ليس ذلك لك" وأن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وإن لم يعمل خيرًا قط، فعلى هذا فقوله "حبسه القرآن" يتناول الكفار، وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد، ثم يخرج العصاة في القبضة، ويبقى الكفار، ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم.
وقوله: إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا أي: وجب عليه الخلود، وفي رواية هشام وسعيد "فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود، تعين أن قوله "وجب عليه الخلود" مدرج في المرفوع لما ذكر في رواية أبي عُوانة أنه تفسير من قتادة، فسر به من حبسه القرآن، أي: من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار. وفي رواية شيبانُ "إلا من حبسه القرآن"