أخبر أنه لا يفعل ذلك، وخبره صدق لا خلاف فيه، وهذا الحديث يُقوّي مذهبهم، ويرد على المعتزلة حيث أثبتوا بعقولهم أعواض الأعمال، ولهم في ذلك خَبْط كثير.
وقال بعض العلماء: لا تنافيَ بين ما في الآية والحديث، لأن الباء التي أثبَتَتِ الدخول هي باء السبب التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلًا بحصوله، والباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلًا للآخر، نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا يكون عوضًا لها، لأنه لو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمةَ الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فلو طالبه بحقه لبقيت عليه من التشكر على تلك النعمة بقية لم يَقُم بها، فلذلك لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا من أعمالهم كما في حديث أُبيّ بن كَعْب عند أبي داود وابن ماجه، وهذا فصلُ الخطاب مع الجبرية النفاة للحكمة والتعليل، القائلين: إن القيام للعبادة ليس إلا لمجرد الأمر، من غير أن يكون سببًا للسعادة في معاشٍ ولا معاد ولا للنجاة، المعتقدين أن النار ليست سببًا للإِحراق، وأن الماء ليس سببا للإِرواء ولا التبريد، والقدرية الذين ينفون نوعًا من الحكمة والتعليل، القائلين: إن العبادات شُرِعت أثمانًا لما يناله العبد من الثواب والنعيم، وإنما هو بمنزلة استيفاء الأجير أجرته، مُحْتَجِّين بأن الله تعالى جعلها عوضًا عن العمل، كما في قوله تعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وبقوله عليه الصلاة والسلام مخبرًا عن ربه تعالى: "يا عبادي إنما هي أعمالكم، أُحصيها لكم، ثم أفيكم إياها" وهؤلاء الطائفتان متقابلتان أشد التقابل، وبينهما أعظم التباين، فالجبرية لم تجعل للأعمال ارتباطًا بالجزاء البتَّة، والقدرية جعلت ذلك بمحض الأعمال ثمنًا لها، والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم