الذي فطر الله عليه عباده، وجاءت به رسله، ونزلت به كتبه، وهو أن الأعمال أسبابٌ موصلةٌ إلى الثواب والعقاب مقتضياتٌ لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله تعالى ومنته وصدقته على عبده أن أعانه عليها ووفقه لها وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها، وحببها إليه وزينها في قلبه، وكره إليه أضدادها، ومع هذا فليست ثمنًا لجزائه وثوابه، بل غايتها أن تكون شكرًا له أن قبلها سبحانه منه، ولهذا نفى عليه الصلاة والسلام دخول الجنة بالعمل ردًّا على القدرية القائلين: إن الجزاء بمحض الأعمال وثمنًا لها، وأثبت سبحانه وتعالى دخول الجنة بالعمل ردًّا على الجبرية الذين لم يجعلوا للأعمال ارتباطًا بالجزاء، فتبين أن لا تنافي بينهما، إذ تواردُ النفي والإِثبات ليس على معنى واحد، فالمنفي استحقاقها بمجرد الأعمال وكون الأعمال ثمنًا لها وعوضًا ردًّا على القدرية، والمثبت الدخول بسبب العمل ردًّا على الجبرية، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فالتعارض إنما هو من جهة أنه كثيرًا ما تجيء السنة ببيان الحقيقة، ويأتي القرآن بإضافة الفعل إلى سببه ومكتسبه، والحاصل أنه كلّما نُفِيَ في الكتاب أو السنة الحكم عن السبب، فالمراد من ذلك النفي الرد على القدرية الملزمين وجود الثواب والعقاب به، وكُلّما ورد فيهما إثبات الحكم للسبب. فالمراد من ذلك الإِثبات الرد على الجبرية الذين لم يجعلوا بين الأسباب والمتسببات ارتباطًا البتة، وهذه فائدة عظيمة لأهل السنة، ويأتي إن شاء الله تعالى استيفاء الكلام على هذا الحديث عند ذكره في كتاب الرقاق في باب القصد والمداومة على العمل.
وقوله:"وقال عِدَّةٌ من أهل العلم" أي -بكسر العين وتشديد الدال- أي: عدة من أهل العلم كأنس بن مالك فيما رواه الترمذي مرفوعًا بإسناد فيه ضَعْف وابن عُمر فيما رواه الطّبري في "تفسيره" والطبراني في "الدعاء" له، ومجاهد فيما رواه عبد الرزاق في "تفسيره"، وعبد الله بن عمر ومجاهد مرّا في الآثار المذكورة قبل ذكر حديث من هذا الكتاب، وأنس في السادس منه.