"صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" وكانوا من المُستضْعفين لأنهم قوم لا عشائر لهم بمكة ولا مَنَعَة ولا قوة، كانت قريش تُعذبهم في الرّمضاء، فكان عمار رضي الله عنه يُعذَّبُ حتى لا يدري ما يقول، وكذلك صُهَيْب، وفكيهة، وبلال، وعامر بن فُهيرة، وفيهم نزل قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا}[النحل: ١١٠] ومن قرأ فَتنوا بالفتح، هو ابن عامر، فالمعنى: فتنوا: كفروا وعذبوا المسلمين، كالحضرمِيّ، أكره مولاه جبرًا حتى ارتد، ثم أسلما وهاجرا، وسُهيل عذب ابنه أبا جَنْدل، ثم أسلم بعد.
وعن عمرو بن مَيْمون: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَمُرُّ به ويمر بيده على رأسه، فيقول:"يا نار كوني بردًا على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتُلُك الفئة الباغية".
وعن ابن ابنه قال: أخذ المشركون عمارًا، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له:"ما وراءك؟ " قال: شر يا رسول الله، ما تُرِكتُ حتى نِلْت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال:"فكيف تجد قلبك؟ " قال مطمئنًّا بالإيمان. قال:"فإن عادوا فَعُد" وفيه نزل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦].
قال الكرماني: رُهِن ياسر في القمار، وولده، فقَمَروهم، فصاروا بذلك عبيدًا للقامر، فأعزهم الله بالإِسلام. ولأجل الحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال غِلْمانه من عمار ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فَتْق في بطنه، ورَغَمُوا وكسروا ضِلْعًا من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم، وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحدًا إلا عثمان.
هاجر الهِجرتَيْن، وصلى القِبلتين، وكان من السابقين الأولين في الإِسلام، ومن المهاجرين الأولين، شهد بدرًا والمشاهد كلها، وأبلى